التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الطوارق لا هوية ولا وطن مقال يعرفنا بشعب مسلم من شعوب الصحراء الكبرى، تشتتوا في دول عدة، فما أصل تسميتهم؟ وما دورهم أثناء الاحتلال الفرنسي؟
الطوارق (Touaregs) أو الزرق الملثمون، كانت عادتهم ارتداء ثياب صبغت بالنيلة الزرقاء "الزهرة"، ولا يمنع هذا التقليد بعضهم من "التغيير"، وهم شعوب الصحراء الكبرى كما يرى البعض الذين يحاولون عزلهم عن أصولهم العربية، فيقول هؤلاء عنهم: إن تارخيهم يعود إلى أجدادهم "البربر"، الذين كانوا يعيشون على امتداد الساحل الشمالي لإفريقيا منذ خمسة آلاف سنة، وانتشروا في الصحراء الكبرى، وهيمنوا على طرق التجارة في الشمال الإفريقي.
عُرِفَ الطوارق بأنهم سادة الصحراء بلا منازع.. وأنهم الزرق الملثمون؛ لقد كانوا يواجهون منذ القدم صعوبات جمَّة من التأقلم مع الآخرين تضاف لصعوبات الحياة القاسية في قلب الصحراء، عاش بعضهم في المدن بعد أن غزت المدنية كل شيء، وبعد أن طرق الغرباء بلادهم.
عُرِفوا في الكتابات القديمة بالليبو، أو الليبيين؛ حيث حكموا مصر في عهد شيشوق الأول، وقد شهدت مصر على أيديهم نهضة لم تر مثلها، كما تروي بعض المصادر؛ ففي عهد الفراعنة: رمسيس الثاني والثالث استولى أجداد الطوارق على الدلتا وأسسوا الدولة المالكة الثانية والعشرين، وأشهر ملوكها شيشوق الأول، كما أسسوا أيضًا المملكة النبطية؛ التي كانت تمتدُّ من جنوب مصر إلى أراضي الحبشة.
وكان شيشوق هذا -فيما أورد جيمس برستد- قويًّا وشجاعًا نهض بمصر، وعزم على استرجاع عزها القديم وتاريخها المجيد، وكان له ذلك؛ لذلك يعتقد "غوتيه" أن الطارقي هو الذي أثَّر في المصري أولاً، ونجد مَنْ يُعارض هذا الرأي من الباحثين.
ويرتحل الطوارق فوق إبلهم رفقة طويلة؛ فهم معًا قائد وسفين فوق أمواج الرمال وسط واحدة من أشد قفار العالم وحشة، وهي الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا، وهم خبراء في الإبل التي تُعَدُّ عماد حياتهم، أما مَنْ يعيشون منهم في الحافة الجنوبية للصحراء، فهم فرسان لا يشقُّ لهم غبار، وقد استطاع الطوارق السيطرة على القوافل القديمة، فيما بين حافة الصحراء الشرقية وبحيرة تشاد، وأصبحوا مرهوبي الجانب تخشاهم كل شعوب الصحراء.
لا يدرى الكثيرون عن تاريخهم شيئًا، وإن كانوا ارتبطوا بالاحتفالات التراثية كنماذج بشرية توشك أن تتلاشي مع زحف المدنية، على غرار بقايا الشعوب التي كانت ثم بادت، والآثار التي توجد في كل مكان؛ فهم الآن فقدوا كثيرًا من عاداتهم وخصائصهم، وهم قيد زحف المعطيات التي تغزو كل شيء من ثوابت الحياة، وهناك محاولات من الحكومات لتوطينهم على غرار شعوب الإسكيمو والهنود الحمر وسكان أستراليا، وشعوب جنوب إفريقيا، فتركوا مواطنهم الأصلية وسكنوا في أطراف وقيعان المدن.
العروبة هل هي رافد واحد؟
الاسم "الطوارق" يعود إلى كلمة "تارقة" التي تعود إلى منطقة فزان في ليبيا، وهناك اعتقاد خاطئ في العالم العربي، وبخاصة تلك الدول التي تقع في الشمال الإفريقي منه، أن الطوارق يُنسبون للقائد العربي المسلم الشهير طارق بن زياد؛ لكونه من أصول بربرية.. ولكن التسمية يُرَجَّح أنها تأتي من "تماشق" أو "تمازغ"؛ وتعني بلغة البربر "الرجال الأحرار"؛ وإن كان الاسم ظهر بعد وجودهم في المكان، وربما كان للأصل اللغوي دور في إطلاق الاسم عليهم فهم سريعو التنقل، وربما ينزلون منزلاً في بعض من الليل، ويغيرون على أعدائهم بطريقة خاطفة تدعم اللثام الذي يبث الرعب في قلوب أعدائهم بليل، هكذا يروي تراثهم الذي وصل.
لقد حطَّ بعض أجداد هؤلاء الرحل مع الهجرات العربية أثناء الفتوح الإسلامية، ويذكر أنهم يعودون إلى الجزيرة العربية ومنطقة اليمن بالتحديد؛ حيث قبائل "حِمْيَر"؛ حيث يظهر هذا في ملامح سحنتهم العربية؛ ولكن اختلطوا مع شعوب المنطقة فأخذوا من ألوانهم مثل قبائل: الهوسا، والماندينج، والفولاني، وكلها من القبائل الإفريقية المسلمة المتاخمة للصحراء الكبرى الإفريقية؛ ولكن ربما كانت الأصول العربية رافدًا واحدًا من روافد متعددة تصبُّ في معين "الطوارق".
أقسام الطوارق
يقسِّم المختصُّون الطوارق إلى بدو الصحراء؛ وتتركز غالبيتهم في منطقة "فزان" ومدينة "غدامس" بليبيا وجنوب الجزائر وتونس، والقسم الآخر يتمثل في طوارق الساحل المتركزين في مدينة يلمدن بمنطقة طاوة بدولة النيجر، ومدينة تمبكتو عند منعطف نهر النيجر بدولة مالي، وتمتد أفخاذهم إلى موريتانيا؛ ولكن بصورة قليلة.
وهناك من الطوارق أصحاب اللسان الأمازيغي وينتمون إلى قبيلة صنهاجة القديمة، وتحديدًا فروعها: مسوفة، وغدالة، ولمتونة؛ وهي ذات القبائل التي ينتمي إليها المرابطون مؤسسو الدولة التي تحمل ذات الاسم، وهي واحدة من أكبر الإمبراطوريات المغربية عبر التاريخ.
وإضافة إلى الطوارق البربر، فإن اسم الطوارق، تنضوي تحته قبائل عربية، أقامت سلطانًا في الصحراء، تتكون في الأساس من قبائل هاجرت صوب الصحراء في العهد المغربي الذي امتد سلطانه إلى ثنية نهر النيجر في تمبكتو كما ذكرنا؛ وهذه القبائل اندمجت مع الطوارق إلى درجة أن بعضها تحول عن اللغة العربية إلى لسان الطوارق من طول الجوار، وبقيت آثار لتدل على متانة العلاقة بين الإسلام وهذه الشعوب، وبقي بعضهم محافظًا على اللغة العربية بجانب اللغات المحلية.
لقد سيطروا على الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء، ويتبعون مذهب الإمام مالك بن أنس، وفي فترة الفتوحات الإسلامية ساروا ومعهم الدعوة الإسلامية التي انتشرت؛ حيث وقف علماؤهم إلى جانب الدين الحق فنشروا تعاليمه السامية في أغوار الصحراء حتى مشارف خط الاستواء، ثم لجئوا إلى الصحراء لأنهم يلتمسون فيها الحماية، وسرعة إرهاق الدخلاء عند أي بادرة عداء، خاصة حين نشط الاستعمار واكتشف أنهم مقاتلون شديدو المراس.
الاحتلال الفرنسي
لقد وقف الطوارق شوكة في حلق الاحتلال الفرنسي إبان احتلال الشمال الإفريقي؛ حيث اضطر المستعمر إلى بناء حصون قوية وحاميات، وقد كان جنوده يقاتلون من وراء جدر يتحصنون فيها.
لقد كان لهم دور تاريخي قاموا به خير قيام؛ ولكن بدأ هذا الدور بالتلاشي رويدًا رويدًا، بل وصل إلى التهميش من قبل أرباب السياسة، فساهم هذا العداء لهم مع عدم انصياعهم للمتجبرين في تشتتهم في أكثر من دولة إفريقية منذ القدم، واحتضنت النيجر الكثافة الأكبر من شعب الطوارق، وبحلول القرن الرابع عشر أصبح الطوارق أقوى المجموعات البشرية تجارة ونفوذًا في تلك المنطقة، وكانوا يقومون بنقل البضائع النفيسة عبر الصحراء؛ مثل: الذهب، والعاج، والآبنوس، والتوابل، إضافة إلى التمور والملح، وتنامت في تلك الفترة قوتهم وأنشئوا دولتهم في المنطقة الوسطى من النيجر، وأطلقوا عليها اسم سلطنة العير، وكانت لهم عاصمة في مدينة أغادير، وسيطروا على التجارة حتى عام 1900م؛ ولكن سيطر الفرنسيون على مناطق غرب إفريقيا فانتهت دولتهم.
عادات لا تفارق الطوارق
بقيت بعض العادات القديمة من زى له تاريخ، وهجر للمدن، ولا يرون بديلاً عن الصحراء، والطوارق لهم خصوصية ارتداء الرجل للثام الطارقي كأثر لطبيعة البادية والحرب؛ التي كانت مرتبطة بهم منذ حقب تاريخية قديمة، لهم حياة قائمة على الترحال، والصحراء الكبرى الإفريقية ميدانهم؛ حيث تشكل طبيعتهم، وعلى الرغم من أن الطوارق يعيشون الآن من تجارة التمر والحبوب، ويسكن الكثير منهم المدن؛ فإنهم لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم القديمة؛ مثل: رماحهم الطويلة، وسيوفهم ذات الحدين، ودروعهم الجلدية الكبيرة كتراث لا يُستغنى عنه، ولهم عادات لا يُفارقونها؛ مما يُعَدُّ أخلاقيات نادرة الآن، فتستطيع أن تعتمد عليهم في الوفاء بديونهم وعهودهم، كما أنك تستطيع أن تثق بكلمة الطوارق، وهناك مَثَلٌ عندهم يقول: "إن جهنم نفسها تمقت عدم الشرف". والآن يحملون أسلحة نارية؛ بل بنادق متعددة الطلقات.
لغات الطوارق
لا يتحدث الطوارق لغة موحدة، وإن كانت اللغة البربرية التي تأثرت باللهجة القرشية هي السائدة؛ ولكن نلحظ التأثر باللغات الإفريقية التي يتحدث بها سكان الشعوب التي سكن الطوارق أرضها وعايشوا شعبها، وصارت بينها وبين الطوارق علاقة مصاهرة؛ ليس اللقب طارقي هو الذي يميز صاحبه عن غيره من المواطنين؛ فالطارقي له سمات عربية تحكي قصة أصوله، فلا تخدع لون البشرة التي غيرتها المصاهرة؛ لقد استوطن الكثيرون حوض النيجر، وتوارت قليلاً عادات الصحراء التي كانوا يبقون عليها.
منظمات مشبوهة
كثير من المنظمات العاملة في الصحراء الكبرى وجدوا ضالتهم في شعب الصحراء كمرشدين، أو عمال وسائقين في المحميات الطبيعية أو المناجم؛ ولكن بدأت المنظمات التبشيرية تحيك لهم الخطط لإبعادهم عن دينهم وتقاليدهم في سبيل تنصيرهم، وإن كان ذلك آخذ بعدًا آخر في بلدان الحزام الطارقي بإلحاق بعضهم في الوظائف، وأبنائهم في المدارس، ورويدًا يتم تذويبهم في سلك العمل مع الإرساليات الأجنبية ليحدث السقوط كما حدث في تشاد، والنيجر، والجزائر، ومالي، والجنوب الليبي.
كان هدف الحملات التنصيرية الغربية يتجاوز هذا الحد إلى العمل من أجل تنصير الشريط الصحراوي الفاصل بين شمال إفريقيا العربي المسلم وغرب إفريقيا الأسود المسلم، والممتد من شرق جمهورية النيجر إلى حدود مالي مع موريتانيا.
لقد تعامل الكثير من المنظمات التي اتخذت من الصبغة الدولية غطاء لإخراج أبناء الكثير من أبناء القبائل التي تعيش على الرعي من الإسلام بوازع الاحتياج للدعم الإغاثي والطبي؛ لقد تعاملوا معهم بكثير من الانتهازية؛ فالكثير من المؤسسات الإغاثية الغربية تعمل في التنصير مع مدها يد العون للجوعى.
المصدر: عادل صديق، باحث في التاريخ، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 535 ربيع الأول 1431هـ = مارس 2010م.
التعليقات
إرسال تعليقك