ملخص المقال
انتصر نور الدين محمود على الصليبيين في موقعة حارم سنة 559، وهذه سطور مضيئة حول نشأته وحبه للعلماء وزهده وجهاده
يعدُّ البطل "نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي" شخصية من شخصيات حضارتنا المعطاءة الولود.. نشأ "نور الدين" في بيت أبيه المجاهد "عماد الدين زنكي" أول شخصية حملت راية التوحيد والوحدة والجهاد، بطريقة قوية وحازمة في وجه الحروب الصليبية التي كانت قد أخضعت (الرها، وأنطاكية، وبيت المقدس، وطرابلس)... وتسعى لإخضاع (مصر) بخنوع وتواطؤ مع (الشيعة) الباطنية الإسماعيلية حكام الدولة المسماة (بالدولة الفاطمية) زورًا وبهتانًا؛ ففاطمة -رضي الله عنها- بنت محمد -عليه الصلاة والسلام- بريئة من هذه الدولة البدعيَّة المحاربة للسُّنَّة النبوية.
وكان من آثار نور الدين الكثيرة استيلاؤه على "حارم" سنة (559هـ) من يد الصليبيين؛ بفضل الله وبسبب أخذه بالوسائل المعنوية والمادية.
لقد كان "نور الدين" يحب العلماء ويقربهم، فاكتسب منهم التقوى والزهد والتفرغ للجهاد في سبيل الله، منصرفًا عن النعم الزائلة، مؤثرًا النعيم الباقي، فحقق الله له الأهداف والآمال.
ولكي ندرك مدى تقوى وصلاح القائد الورع "نور الدين"، نذكر أنه قبل المعركة انفرد بنفسه تحت تلٍّ من التلال، وحينما التقى الجيشان سجد لربه U، ومرَّغ وجهه في التراب وتضرع، وقال: هؤلاء يا رب عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك. يا رب، إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب "نور الدين" وذنوبه.
لقد أدرك "نور الدين" أن سيطرة (الشيعة) الإسماعيلية (الفاطمية) على مصر يمثل خطرًا كبيرًا؛ لأنهم يخضعونها لمفاوضاتهم مع الصليبيين، ويتجهون لقضاء مصالحهم ولو ذهبت بلاد المسلمين إلى الجحيم؛ ولهذا أرسل لفتح مصر جيشًا بقيادة "أسد الدين شيركوه".
لكن الصليبيين وقفوا مع إخوانهم الإسماعيلية، فأرسلوا قوة لمحاصرة قوات "نور الدين" بقيادة "شيركوه"، وضيَّقوا عليه الخناق، فطلب العون من نور الدين في الشام، وأدرك "نور الدين محمود" أن مهاجمة الصليبيين في الشام يجعلهم ينسحبون من مصر، فأرسل يطلب المجاهدين، واجتمع له جمع غفير سار بهم إلى قلعة (حارم).
ولما علم الصليبيون بذلك جمعوا جيوشهم وساروا للقائه في أعداد عظيمة، والتقى الجمعان في شهر رمضان المبارك، ووضع المسلمون الخطط الحربية للقضاء على التفوق العددي للصليبيين، والذي كان يقوده ملوك صليبيون أربعة، ونجحت تلك الخطط نجاحًا باهرًا، يصفها المؤرخ المعاصر (ابن الأثير) في قوله:
"فحينئذٍ حَمِيَ الوطيس، وباشر الحربَ المرءوسُ والرئيسُ، وقاتلوا قتال من يرجو بإقدامه النجاة، وحاربوا حرب من يئس من الحياة، وانقضت العساكر الإسلامية انقضاض الصقور على بغاث الطيور، فمزقوهم بددًا، وجعلوهم قِدَدًا، وألقى (الإفرنج) بأيديهم إلى الإسار، وعجزوا عن الهزيمة والفرار، وأكثر المسلمون فيهم القتل، وزادت عدة القتلى على عشرة آلاف، وأما الأسرى فلم يحصوا كثرة، وكان منهم الملوك الأربعة".
وسار "نور الدين" فملك (حارم) في الحادي والعشرين من رمضان عام (559هـ).
وهكذا نصره الله على عدوِّه وملَّكه بلاده؛ فالنصر دائمًا من الله I يهبه لعباده الصالحين الصادقين.. ونشهد أن "نور الدين" ووالده "عماد الدين زنكي" من هؤلاء العباد الصالحين. رزقنا الله عبادًا صالحين يقودوننا في هذه الأيام المباركة، عبورًا إلى النصر.
المصدر: موقع صحيفة الوسط.
التعليقات
إرسال تعليقك