ملخص المقال
ها نحن نقف أمام مشهد غروب عام هجري، وهو يمضي مخلفا وراءه جملة حافلة من الوقائع والأحداث.. فما أهمية المحاسبة في ختام العام الهجري؟ وكيف نستقبل العام
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
ها نحن نقف أمام مشهد (الغروب)! غروب عام هجري، وهو يمضي مُخلّفًا وراءه جملةً حافلةً من الوقائع والأحداث، زخرت بها أيامه ولياليه؛ أفراح وأتراح، مواليد ووفيات، هزائم وانتصارات، كوارث وخيرات، نِعَم ونقم.. قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
وعلى المستوى الشخصي، يُطبق هذا العام خزانة الأعمال لكل فرد، بما أودعها من خيرٍ أو شرٍ، طاعةٍ أو معصيةٍ، ويلملم صحائف الأعمال، لتنشر يوم النشر! قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13، 14].
وتشتغل كثير من وسائل الإعلام، المحلية والعالمية، في نهاية كل عام؛ هجري أو ميلادي، بسرد أبرز الأحداث السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والكونية؛ لتذكير المتابع، وربما بتحليل الحدث. وتقوم الشركات والمؤسسات بإعداد القوائم المالية، والحسابات الختامية، التي تحدد موقفها المالي، ونشاطها التجاري.
ولكن قلَّ من يستذكر سجله الشخصي، ويحاسب نفسه على أدائه، ويعاتبها على تفريطها في جنب الله. ومردُّ ذلك إلى ضعف اليقين باليوم الآخر ولقاء الله تعالى، قال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال منبهًا على موقف أخرويّ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 56-58].
ليس كثيرًا، ولا كبيرًا، أن يمتشق أحدنا قلمًا، وينشر صفحة، ويجري حسابًا دقيقًا، لما فرط منه، فيتوب ويستعتب، ويثني على الله بما وفقه إليه من خيرٍ وغنم، فيشكر ويستكثر. ألا ما أحوجنا إلى (المراجعة) و(التقويم)، فـ{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
ومن محاسن الشريعة أن أودع الله تعالى في (ختام العام) شعائر عظيمة، لتكون (مسك الختام). فشرع لعموم الأمة حج بيته الحرام، ينتدب إليه أفراد من كل فج عميق، من أصقاع البلاد الإسلامية، ليعقدوا مؤتمرًا في (التوحيد) و(الاتّباع) و(العبادة) و(التعاون)، لا يقتصر عليهم وحدهم، بل يمتد إلى من خلفهم من أمم وشعوب. ويرجع الحاج الذي لم يرفث ولم يفسق، كيوم ولدته أمه.
كما شرع النبي صلى الله عليه وسلم للمقيمين في الأمصار صوم يوم عرفة، وقال: «أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» (رواه مسلم).
إن هذا الشعور بالتطهر في ختام العام، لهو مسك الختام، الذي يؤسس لاستقبال عام جديد مشرق، مفعم بالتفاؤل، والنية الصالحة، والعزيمة على الرشد. والله المستعان.
المصدر: موقع الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي.
التعليقات
إرسال تعليقك