ملخص المقال
يأتي عيد الأضحى هذا العام 1430هـ - 2009م والأجواء متوترة بين المسلمين، وخاصة بين شعبي مصر والجزائر
يأتي عيد الأضحى هذا العام 1430هـ/ 2009م والأجواء متوترة بين المسلمين، وخاصة بين شعبي مصر والجزائر، هذين الشعبيْن اللذين لهما تاريخ عريق في الحب العميق والوحدة القوية بينهما، ويتسم شعب البلدين بالتديُّن الشديد، والحرص على فرائض الله قدر الاستطاعة، رغم كل ما يُحاق بهما من مؤامرات، ولكن ما فتئت هذه المؤامرات والفتن أن آتت أُكُلها، بعد أن روَّج لها أرباب الفن واللعب.
ويا للعجب! ويا للمهزلة!!
فحين لم ينجح الاستخراب أو الاحتلال الأجنبي أو ما يُطلق عليه الاستعمار في تفكيك أواصر الحب والوحدة والتراحم بين الشعوب الإسلامية، نجح المغرضون وأصحاب النفوس الضعيفة والهمم الدنيئة ممن يلبسون ثياب أهل البلدين، ويتحدثون بلهجتهما، نجحوا فيما فشل فيه الاحتلال الأجنبي طوال عشرات السنين.. لقد نجحوا في زرع الفتنة وكانت تلك هي الثمار، امتلأت النفوس بالحقد والكراهية من كلٍّ من الطرفين لأخيه، حتى من بعض المثقفين تجدهم ينطقون بما يُدخِل الحزن على القلوب المؤمنة. أما العوامُّ فلا تسأل عن الدرجة التي وصلوا إليها جرّاء الشحن الإعلامي، وهذا كله ناتج من الجهل وسفه البعض، والاهتمام بسفاسف الأمور وترك عظائمها.
ولا أريد أن أزيد الطين بلَّةً بذكر نماذج مما رأيت بعينيَّ، وسمعت بأذنيَّ من أمور يندى لها الجبين، وتقشعر منها أنفس المؤمنين، بل ربما ذوي الحد الأدنى من الثقافة العامة، وممن لهم دراية بما يُراد للشعوب أن تصل إليه من تدنٍّ في الاهتمامات، وتخلُّف في شتى نواحي الحياة.
وكانت الفرصة مواتية للكيان الصهيوني، فأعلن الشماتة في أعلى صورها بعرضه التوسُّط بين البلدين الشقيقين، ومحاولة الصلح بينهما لكون الوحدة بين المسلمين تشغل اليهود كثيرًا!!
وفي هذه الأجواء المظلمة، بل الشديدة الظلمة، مَنَّ الله على المسلمين بنعمة عظيمة.. إنها موسم الحج، الموسم العظيم الذي لا يأتي في العام إلا مرة واحدة، وكانت هذه المرة في أعقاب ما عاشه شعب الجزائر ومصر من فتنٍ ومشكلات.
جاء موسم الحج ليلفت نظر من نسِي من المسلمين أن الأصل والأساس هو الوحدة بين كل المسلمين مهما اختلفت أماكنهم، وتعددت لهجاتهم ولغاتهم وألوانهم، وأنه إذا فرَّقهم اللعب واللهو فإنما يجمعهم الجدُّ والاجتهادُ.
جاء موسم الحج ليؤكد من جديد على أن الرابطة بين المسلمين أكبر من جلدة منفوخة بالهواء تجري وراءها أقدام مجموعة من الشباب، ويلتف حولها عشرات الآلاف، فضلاً عن ملايين يتابعون الشاشات تاركين وراءهم كل شيء، ومركزين أعينهم وأذهانهم وأرواحهم على ما يسمونها الساحرة المستديرة، أو ما أسمِّيه أنا "الجلدة المنفوخة"!!
يا شعب مصر الحبيب..
ويا شعب الجزائر الحبيب..
ويا شعوب العالم الإسلامي كله..
إن الرابطة بيننا جميعًا أقوى من أي رابطة أخرى، إنها رابطة الدين..
إنها رابطة الإسلام..
إنها رابطة العقيدة..
إنها رابطة أقوى من أن يضعفها لعب أو لهو..
إنها رابطة أقوى من أن تضعفها نفوس امتلأت حقدًا وحسدًا، وبُعدًا عن الدين.
يا شباب مصر الغاضبين..
ويا شباب الجزائر المتحمسين..
لنهدِّئ جميعًا من روعنا، فالأمر أبسط من أي يختلف فيه مسلم مع أخيه المسلم.
ولتكن هذه الأيام خاصَّة، وكل أيامنا عامَّة، فرصةً للحب والإخاء والمودة والتآلف والرحمة؛ استجابةً لأمر الله ورسوله r.. قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
أسأل الله أن يؤلِّف بين قلوب المسلمين عامَّة، وبين قلوب أهل الجزائر ومصر خاصَّة، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.
بقلم: حسين العسقلاني[1]
التعليقات
إرسال تعليقك