جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
المسلمون في بورما ميانمار لا بواكي لهم
مآس المسلمين في بورما لا تنتهي
من هؤلاء المطالبين بحقوق المسلمين الشيخ "سليم الله حسين عبد الرحمن" رئيس منظمة تضامن الروهنجيا، الذي قال: بعد وصول الحكم العسكري عام 1962م، ففي عام 1978م شردت بورما أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلاديش، وفي عام 1982م ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنهم متوطنون في بورما بعد عام 1824م وهو عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما، رغم أن الواقع والتاريخ يكذّبان ذلك، وفي عام 1992م شردت بورما حوالي ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنجلاديش مرة أخرى، ومن تبقّى من المسلمين يتم إتباع سياسة الاستئصال معهم عن طريق برامج إبادة الجنس وتحديد النسل بين المسلمين، فالمسلمة ممنوع أن تتزوج قبل سن الـ 25 عاما أما الرجل فلا يسمح له بالزواج قبل سن الـ 30 من عمره.ويضيف الشيخ سليم الله قائلا: "إذ حملت الزوجة لابد من ذهابها طبقاً لقرار السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية "ناساكا" لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد ـ كما تدعي السلطة ـ من سلامة الجنين، ولتسهيل إحصاء المولود بعد الولادة. ولكنّ لسان الواقع يُلوِّح بأنّ الهدف من إصدار هذا القرار المرير هو الاستهتار بمشاعر المسلمين، وتأكيدهم على أنّه ليس لهم أيّ حقّ للعيش في "أراكان" بأمن وسلام!!، مضيفا أن هناك عمليات اغتصاب وهتك للعرض في صفوف المسلمات اللواتي يموت بعضهن بسببه، والجنود الذين يقومون بكل تلك الأعمال والقمع والإذلال ضد المسلمين تدربوا على يد يهود حاقدين.
لا حق للمسلمين بورما في الحياة وآخر ما أسفرت عنه أفكار الحكومة الفاشية منع الزواج!، فقد أصدرت الحكومة البوذية قراراً بمنع زواج المسلمين لمدة 3 سنوات؛ حتى يقلَّ نسل المسلمين وتتفشى الفواحش بينهم، وكانت الحكومة قد فرضت شروطاً قاسيةً على زواج المسلمين منذ عشر سنوات؛ مما اضطرهم لدفع رشاوى كبيرة للسماح لهم بالزواج تضاف إلى التعسف الذي يعانيه المسلمون تمهيدا لاستئصالهم بعد تقليص عددهم، وتهجيرهم عن قراهم التي بها مقومات قيام النشاط الزراعي وإفقارهم ونشر الأميّة بينهم.
وقد صل عدد اللاجئين من جراء التعسف إلى حوالي "مليوني مسلم" معظمهم في بنجلاديش والمملكة العربية السعودية من مجموع المسلمين في بورما، ويعيش اللاجئون في بنجلاديش في حالة مزرية في منطقة "تكيناف" في المخيمات المبنية من العشب والأوراق في بيئة ملوثة والمستنقعات التي تحمل الكثير الأمراض مثل : الملاريا والكوليرا والإسهال، وهي أماكن خصصتها لهم الحكومة في بنجلاديش في المهجر، حيث تنتشر مخيماتهم التي تفتقر إلى مقومات الحياة في بلد يعاني أيضا من الفقر "بنجلاديش" ويطمحون للعمل الإعلامي لنشر معاناتهم بمختلف لغات العالم.
إذن هناك مخطط بوذي بورمي لإخلاء إقليم أراكان من المسلمين بطردهم منه أو إفقارهم وإبقائهم ضعفاء لا حيلة لهم ولا قوة، ولاستخدامهم كعبيد وخدم لهم، حيث إنهم لم يُدْعَوْا حتى لحضور المؤتمر العام، ويحاول الكثيرون من أولي الرأي التعريف بالقضية وخاصة أمام المنظمات الإسلامية العالمية على غرار منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي.اضطهاد المسلميـن في "برمانيا" ولكن نجد صوتا يرى بعمق مدى ما يعانيه المسلمون في بورما بل في العالم تحت ذريعة الإرهاب الإسلامي أو ما يطلق عليه اسلاموفوبيا Islamophobiaضمن ما يعلق به على القضايا في العالم الإسلامي التي راح ضحية البطش في العالم المسلمون وحدهم، إنه "ميشيل جلكوين" ـ من صحيفة لوجورنال الذي يقول : "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية، جدّت عدة أنظمة في محاربة "الإرهاب" ذريعة للقضاء على معارضيها، خصوصا إذا كان هؤلاء يمثلون أقليات عرقية أو دينية يشكل الإسلام بالنسبة إليها القاسم المشترك.
وهكذا تم إلصاق صفة "الإرهاب" الشائنة بالمقاومة الشيشانية من قبل بوتين وفريقه، ولم يتردد نائب الرئيس الصربي "نيبوجا كوفيتش" في الإعلان عن وجود " بعض أنصار أسامة بن لادن الصغار في كوسوفا ". نفس الأمر بالنسبة لشارون الذي استثمر بلا حشمة الصدمة النفسية للولايات المتحدة الأمريكية، وردد نفس اللازمة التي ترددها الأنظمة الاستعمارية التي تزدري أي رفض للخضوع لنيرها، ليرفض أي مقاومة للصهيونية.
وهناك أقليات إسلامية تتعرض لتجاهل نسبي عبر العالم، وجدت نفسها تدفع ثمن الهذيان المعادي للإسلام، والذي انتشر فجأة بلا تحفظ. وفي دولتين معروفتين بخرقهما لحقوق الإنسان، هما الصين و"برمانيا"، هناك أقليات إسلامية، على رأسها الإيغور والروهينغا، تعاني من شدة الاضطهاد الجماعي، فمن هي هذه الأقليات؟ ما هي أصولها ؟ ما هي ثقافتها؟ كيف تحاول الحفاظ على هويتها؟
فسيفساء من الأقليات "برمانيا" فسيفساء من الأقليات وخليط من الديانات، فإلى جانب البوذيين الذين يشكلون أغلبية السكان، نجد المسيحيين والمسلمين, يشكل الإسلام في "برمانيا" دين أغلبية واسعة تعود بجذورها إلى إقليم "أراكان"، على الحدود مع بنجلاديش، وهي أيضا مرجعية بالنسبة لمجموعات الصغرى المنبثقة من أقليات مختلفة، استقرت هناك في العهد الاستعماري، أو تم تشتيتها في أرجاء البلاد. ويقودنا الإطلاع على شروط العيش المفروضة على المسلمين إلى ملاحظة مزدوجة : فمن جهة يتعلق الأمر بفرض الوصاية على شعب يقيم قرب الحدود نظرا للقرابة التاريخية مع البنغال المسلمين، ويندرج هذا الشكل من الاضطهاد والتحكم في سياق عام يتميز بالهيمنة على الأقليات الدينية في المناطق الحدودية، ومن جهة ثانية فالأمر يتعلق أيضا بالرغبة في محو خصوصيات الأقليات، التي تبدي نوعا من الجموح إزاء أوامر السلطة المركزية والهيمنة التي تريد الحفاظ على انسجام " القومية البرمانية " ( ثلثا سكان البلاد هم من البرمانيين).
وإلى الاضطهاد الذي يقع ضحيته مجموع مكونات المجتمع البرماني، يضاف إلى ذلك الإبادة غير المباشرة، وعديدة هي الأمثلة التي تثبت أن السلطات تحاول تأجيج، بل إثارة المواجهات بين الطوائف وأتباع الديانات المختلفة، وإخفاء مثيري تلك الفتن في أزياء رهبان بوذيين، رغم إعلانها الرسمي المتكرر بعدم مسؤوليتها عن مثل تلك الأحداث. ومن الملاحظ أنه في كل عملية لإعادة توطين اللاجئن، عقب الاتفاقيات الجانبية بين داكا وبانكوك، يتم استثناء العديد من المسلمين من الحق في العودة بدعوى أن هوياتهم أي : مواطنتهم مشبه فيها.
الروهينغا مسلمو أراكان
تقع منطقة "أراكان" إلى الغرب من "برمانيا"، وقد كانت بين 1430و1783م مملكة مستقلة تحت حكم السلاطين المسلمين، قبل أن تحتلها الإمبراطورية البرمانية في عملية غزو واسعة. ومنذ 1825م خضعت للسيطرة البريطانية التي انتهت ببسط هيمنتها على كامل "برمانيا" الحالية. وبدافع سياسة فرق تسد، عمل الاستعمار البريطاني على ربط جميع المناطق المحتلة حديثا بالإمبراطورية الهندية ( وبقي ذلك الوضع إلى عام 1937م)، وخلق تناقضات بين الأقليات وأتباع الديانات المختلفة. وخلال هذه الفترة استقر بعض البرمانيين والمسلمين في مختلف المناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية، إما للعمل في التجارة، أو في وظائف تابعة للحكم البريطاني، وقد ساعدت هذه الهجرات القوميين البرمان للإدعاء بأن أولئك المسلمين في غالبيتهم هم من أتباع الاستعمار البريطاني، من هنا جاء اعتبارهم " غرباء " متهمين بخيانة القومية البرمانية، وهكذا لم تبق هناك سوى خطوة واحدة، لم يتردد البرمانيون بمن فيهم المعروفون بالديمقراطيين، من اجتيازها.إن إقليم أراكان الحالي لكونه يضم جزء من البوذيين الذين تطلق عليهم تسمية " الراخين "، فإن محاولة الطعن في شرعية وأصالة المواطنين المسلمين ما لبثت أن لاحت بصورة واضحة، بالرغم من أن المسلمين لم يكفوا حتى العام 2000م من المطالبة ـ ليس بالانفصال ـ ولكن باستقلال ذاتي في ظل فيدرالية برمانية تحترم خصوصياتهم الدينية والثقافية بشكل ديمقراطي. هذه التركة الثقيلة من الصراعات التاريخية هي التي تفسر اليوم شعور الارتياب الذي يشكل مسلمو أراكان ضحيته. وفي اللغة السائرة، ينعت المسلمون بكلمة " كالا "، التي تعني في اللغة المحلية الغريب جغرافيا، وهكذا يظهر لنا أن النخبة الحاكمة في رانغون لم تكرس للممارسات المعادية للمسلمين والمليئة بالترسبات والخلفيات من لا شيء. ومع ذلك فبعد أن أقصتها صناديق الاقتراع في سنة 1990م وتشبتت بالسلطة بالقوة لمواصلة النهب، جعلت النخبة المتسلطة من الأقلية المسلمة في البلاد كبش الفداء المناسب لتوجيه الشعور بالقهر والغضب لدى شعب غارق في البؤس إليها . اضطهاد وتهجير للمسلمين من هنا انطلقت منذ بداية عقد التسعينيات بعد إلغاء نتائج الانتخابات موجة من الاضطهاد أخذت شكلا كسياسة التطهير العرقي إزاء مسلمي أراكان المتمركزين خاصة في القسم الشمالي من البلاد، ونتج عن ذلك تهجير ما بين 250 إلى 280 ألفا منهم نحو بنجلاديش، التي رفضت استقبالهم إلا بعد عدة جهود ليعيشوا في شروط قاسية داخل مخيمات تفتقد أدنى مقومات الحياة .
مضيفا : لقد تمكنت المنظمة الدولية للاجئين من إعادة توطين 90 في المائة منهم، بعد أن توصلت إلى اتفاقيات متنازع حولها، لكن بقي حوالي 21 ألفا في معسكرين قريبا من جنوب باكستان الشرقية سابقا، هذا دون الحديث حسب مصادر مختلفة عن مئات الآلاف من المهاجرين السريين الذين اخترقوا الحدود من جديد. لكن الذين فرضت عليهم العودة وظلوا بدون أدنى الحقوق خضعوا للأعمال الشاقة والاضطهاد على يد " الراخين " أي البوذيين، ولم ينالوا صفة المواطنة بسبب مرسوم 16 أكتوبر 1982. فضلا عن ذلك، شكل النظام الحاكم ميليشيا مسلحة هي " الناساكا"، مهمتها نشر الرعب ومصادرة الأراضي والقيام بالأعمال الوحشية : الاغتيالات، الاغتصاب، التعذيب، وقد أصبحت هذه الممارسات عملة رائجة. وتعرضت عدة قرى لغارات مدمرة لأنها وضعت موضع شبهة، كما حدث في منطقة "سيتيو" يوم 4 فبراير 2001م.
ورغم القيود المفروضة على حرية التجول، استطاع المسلمون في عدة حالات الهرب إلى الخارج، لكن بشكل فردي، والتوجّه إلى ماليزيا التي أصبحت منذ أزمة 1997م ترفض استقبال المهاجرين، ومع ذلك فقد وصل بعض طالبي اللجوء إليها ليتم جمعهم في بناية تابعة للأمم المتحدة في كوالا لامبور.
ويؤكد لى أن اشتداد النقمة ضد هذه الوضعية التي تنكر على المسلمين حتى الارتباط بهويتهم ، سوف يقود إلى خلق نوع من الهوية المتطرفة. إن السلطات البرمانية لم تكف أبدا عن هدم مساجد المسلمين، وتعويض المدرسين المسلمين بمدرسين بوذيين.
لقد انتشرت شائعات بعد 11سبتمبر 2001 تقول إن شبكة تنظيم القاعدة لأسامة بن لادن زرعت أتباعا لها وسط عناصر المقاومة الإسلامية، وكان من نشر هذه الشائعات هم أفراد مليشيا "الناساكا"، مما أدى إلى إغلاق الحدود لمدة ثلاثة أيام من 13 إلى 16 أكتوبر 2001م، وانطلاق موجة من الاضطهاد الأعمى.
غير أن هذه الشائعات تتغذى من السياسة الداخلية التي تحاول شيطنة حركة المقاومة التي يقودها المسلمون "الروهينغا"، والتي تظل مقاومتها محدودة جدا.
وحسب الناطق الرسمي باسم لجنة أخبار مسلمي بورما، فإن الزعم بأن أعضاء المقاومة يتدربون على يد عناصر تنظيم القاعدة وتقديم هذا الأخير دعمه لها، يعني أن المناطق الحدودية كان يمكن أن تشهد حركة قتالية واسعة، الأمر الذي لم يحدث .
مذابح باسم "الإسلاموفوبيا" !! تعاني الأقليات المسلمة في مختلف مناطق "برمانيا" من كونها أهدافا مثالية لتوجيه التوترات الداخلية إليها، ورغم أن وضعية هذه الأقليات أقل مأساوية من وضعية مسلمي الروهينغا، إلا أن أوضاعهم تدهورت يشكل كبير في الأعوام الأخيرة، إذ تعرضوا لمذابح وتصفيات بشكل مكثف ومتسارع، فيما يتم تصوير هذه المذابح كنتيجة لمواجهات طائفية عفوية، بالرغم من أن منفذيها يكونون معروفين، ومن كون رجال الأمن أو الجيش يستنكفون عن التدخل. وتعقب هذه الحملات عمليات هدم المساجد، ومحاولات لرد المسلمين عن دينهم بالإكراه، وحرق للمساكن والمتاجر، الأمر الذي يخلف بطبيعة الحال قتلى وجرحى.
وتحدث مثل هذه الممارسات على الأخص في المدن، بمبررات واهية، ففي مارس 1997م كانت مدن رانغون وبيغو وموندالاي ومونلاين مسرحا لأحداث دموية. مؤكدا على أنه في مايو ويونيو 2001م عرفت بعض المدن الكبرى موجة جديدة من العنف الذي يعكس الكراهية للمسلمين (الإسلاموفوبيا) خلّفت مئات القتلى، ففي اليوم التالي لتفجيرات 11 سبتمبر 2001م، عرفت منطقة (بروم) غرب مدينة بيغو حوادث دموية، فرض منع التجول بعدها في 10 أكتوبر.
أما في البوادي والقرى، فإن الجيش يتدخل علنا ضد المسلمين ويستولي على حاجياتهم البائسة ويكرههم على التحول إلى البوذية، الدين الرسمي للدولة. إن هذه الوضعية القاتمة لمسلمي "برمانيا" ، تؤكد إلى أيّ مدى يريد أن يصل الحكم الشمولي في محو أقلية مسلمة، في ظل صمت وسائل الإعلام الدولية والمنظمات العالمية.
ويختم "ميشيل جلكوين" متسائلا: "هل يستطيع مسلمو الروهينغا ومسلمو ميانمار، رغم الصعوبات التحالف مع الديمقراطيين والأقليات الأخرى المضطهدة في البلاد، من أجل بناء "برمانيا" ديمقراطية؟
ويجيب قائلاً: "لا شيء مؤكد للأسف، فالظرفية العالمية الحالية، والشكوك التي توجّه إلى المسلمين كيفما كانت جنسياتهم، تجعل مثل هذه المهمة غير سهلة.
مسلمو بورما كانوا ضحايا لمختلف الأنظمة، لا حق لهم في الحياة ويعيشون رهن العزلة أو التهجير.
تحالف صيني مع الحكومة العسكرية في بورما
عشرات الملايين من المسلمين في العالم يعيشون كأقليات في بحر متلاطم من الديانات والمذاهب المتخالفة الأخرى، البعض منهم يعيشون في سلام، والكثيرون يذوقون الأمرّين، ولا يعرف عنهم الناس شيئا، وإن كانت الأقليات الكبيرة العدد مثل الهند التي تحوي 150 مليون مسلم يُعرف عنها الكثير فإن بقاعا في العالم لا يُعرف عن المسلمين منها شيء، "بورما Burma "السابقة، والتي صارت تعرف الآن بـ " ميانمار Myanmar"، يوجد بها أكثر من ثمانية ملايين مسلم كثير من حقوقهم ضائعة، وقد يرحلون عبر المحيط إلى أرض أخرى ، وإن سلموا من الغرق يتعرضون للاعتقال في الدول المجاورة لأنهم غرباء وفدوا على بلدان ترتفع فيها نسبة الفقراء، فلا يجدون مكانا، فتبدأ رحلة اللجوء مرة أخرى والبحث عن موطن جديد، وهكذا من قارب إلى قارب، ومن رحلة موت إلى رحلة تغريب، وبورما فسيفساء من الأقليات، وخليط من الديانات، فإلى جانب البوذيين الذين يشكلون أغلبية السكان، نجد المسيحيين والمسلمين والهندوس وكثيرا من الديانات الأخرى.
الموقع الجغرافي لبورما
إحدى بلدان الهند الصينية تقع "بورما - ميانمار" في جنوب شرق آسيا وماليزيا. ويحدّها من الشمال الصين، ومن الجنوب خليج البنغال، ومن الشرق الصين وجمهورية تايلاند، ومن الغرب خليج البنغال وبنجلاديش، ويسكن أغلبية المسلمين في إقليم أراكان الجنوب الغربي لبورما، ويفصله عن باقي أجزاء بورما حد طبيعي هو سلسلة جبال "أراكان يوما"الممتدة من جبال الهملايا.
تحد المرتفعاتُ بورما من الغرب حيث جبال "أراكان" و"هضبة شين"، وترتفع أرضها في الشرق نحو تايلاند ولاوس حيث توجد هضبة التوائية، وأهم أنهارها "ايراوادي" الذي يجري في وسط البلاد من الشمال إلى الجنوب في وسط أرض سهلية، وقسم من نهر "سلوين" قرب حدودها الشرقية، وأحوالها المناخية تتدرج تحت النظام الموسمي، وتقل حدّة الحرارة في الشمال أما الجنوب فحار رطب وتسوق الرياح الموسمية الجنوبية الغربية أمطارها فتتساقط في الصيف بكميات وفيرة .وتقدر مساحتها بأكثر من 261.000 ميل مرّبع، وتقدر مساحة إقليم أراكان قرابة 20.000 ميل مربع، ويفصله عن بورما حد طبيعي هو سلسلة جبال "أراكان يوما" الممتدة من جبال الهملايا.
سكان بورما .. تعدادهم وأجناسهم
في بورما "ميانمار" عدد السكان يزيد عن (55) مليون نسمة، ونسبة المسلمين في هذا البلد البالغ لا تقل عن 15% من مجموع السكان نصفُهم في إقليم أراكان - ذي الأغلبية المسلمة، ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانية ويطلق على هؤلاء "البورمان" وأصلهم من التبّت الصينية وهم قبائل شرسة، وعقيدتهم هي البوذية، هاجروا إلى المنطقة "بورما" في القرن السادس عشر الميلادي ثم استولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وهم الطائفة الحاكمة، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان بورما وجماعات الكاشين.
تصل نسبة المسلمين إلى أكثر من 20% وباقي أصحاب الديانات من البوذيين "الماغ " وطوائف أخرى. ويتكون اتحاد بورما من عرقيات كثيرة Ethnicities جداً تصل إلى أكثر من 140 عرقا، وأهمها من حيث الكثرة "البورمان"، وهناك أيضًا الـ" شان وكشين وكارين وشين وكايا وركهاين - والماغ" وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات، والمسلمون يعرفون في بورما بـ "الروهينغا"، وهم الطائفة الثانية بعد "البورمان"، ويصل عددهم إلى قرابة الـ 10ملايين نسمة يمثلون 20% من سكان بورما البالغ عددهم أكثر من 50 مليون نسمة، أما منطقة "أراكان" فيسكنها 5.5 مليون نسمة حيث توجد كثافة عددية للمسلمين يصل عددها إلى 4 ملايين مسلم يمثلون 70% من سكان الإقليم، وإن كانت الإحصاءات الرسمية لا تنصف المسلمين في هذا العدد، حيث يذكر أن عدد المسلمين -حسب الإحصاءات الرسمية- بين 5 و8 ملايين نسمة، ويُعدّ المسلمون من أفقر الجاليات في ميانمار وأقلها تعليماً ومعرفتهم عن الإسلام محدودة.
ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة ، ويتحدث أغلب سكانها اللغة "البورمانية" ويطلق على هؤلاء "البورمان " وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أركان بورما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.
الأنشطة السكانية في بورما
وبورما بلد زراعي يعيش ثلاثة أرباع أهلها على الزراعة، ويعمل بالزراعة 43% من القوة العاملة، وأبرز حاصلاتها الأرز، وهو الغذاء الأساسي لمعظم سكانها، ويفيض عن حاجتها وتصدر منه كميات كبيرة، وتحتل المكانة الرابعة في تصدير الأرز بين دول العالم إلى جانبه يزرع الذرة والبذور الزيتية، ثم المطاط وقصب السكر والشاي، وتشغل الغابات مساحة واسعة تزيد على نصف مساحة، البلاد ولهذا يعدّ الخشب الجيد من أهم صادراتها، هذا إلى جانب بعض المعادن مثل الرصاص والأنتيمون والبترول، حيث دخلت البلاد في سلك الدول التي بها مخزون نفطي، وحصلت "ميانمار" على قروض من الحكومة الصينية للتنقيب عن مواردها النفطية، ووقّعت الشركة الوطنية الصينية للبترول عقودا للمشاركة في الإنتاج مع وزارة الطاقة في "ميانمار" تغطي مشروعات استكشاف النفط الخام والغاز الطبيعي في ثلاث مناطق عميقة المياه بالقرب من الساحل الغربي للبلاد، فقد قامت الشركة الوطنية الصينية للبترول بدراسة جدوى لاستخراج النفط والغاز في "ميانمار".
التاريخ الحديث لبورما
في 1 أبريل 1937م انفصلت بورما عن الهند نتيجة اقتراع بشأن بقائها مع مستعمرة الهند أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة, حيث كانت إحدى ولايات الهند المتحدة تتألف من اتحاد ولايات هي: بورما وكارن وكابا وشان وكاشين وشن, في 1940م قامت ميليشيا "الرفاق الثلاثين" جيش الاستقلال البورمي وهو قوة مسلحة معنيّة بطرد الاحتلال البريطاني, وقد تلقى قادته "الرفاق الثلاثون" التدريب العسكري في اليابان, وعادوا مع الغزو الياباني في العام 1941م مما جعل "ميانمار" نقطة مواجهة خلال الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا واليابان، وفي يوليو 1945م, عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضم بورما كمستعمرة, حتى أنّ الصراع الداخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موالٍ لبريطانيا أو لليابان ومعارض لكلا التدخُّلين, ثم نالت بورما استقلالها سنة 1948 م وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.
الإسلام في بورما "ميانمار"
وصل الإسلام إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد "رحمه الله" في القرن السابع الميلادي عن طريق الرحالة العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما بين عامي (834 هـ - 1198، 1430م - 1784م)، وانتشر الإسلام في كافة بقاع بورما وتوجد بها آثار إسلامية رائعة، من المساجد والمدارس والأربطة منها: مسجد "بدر المقام" في أراكان وهو مشهور، ويوجد عدد من المساجد بهذا الاسم في المناطق الساحلية في كل من الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا وغيرها، وأيضا مسجد "سندي خان" الذي بني في عام 1430م وغيرها.
الاحتلال البوذي لأراكان في عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي"بوداباي"، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، فأخذ يخرب ممتلكات المسلمين، ويتعسف في معاملتهم؛ فامتلأت السجون بهم وقتل من قتل، ورحل الكثيرون، لقد دمّر "بوداباي" كثيراً من الآثار الإسلامية من المساجد والمدارس، وقتل الكثير من العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين "الماغ" على ذلك خلال فترة احتلالهم التي ظلت لأربعين سنة انتهت بمجيء الاستعمار البريطاني، في العام 1824م، فقد احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.
مذبحة للمسلمين في بورما على يد البوذيين
وفي العام 1937م ضمت بريطانيا بورما مع "أراكان" - التي كان يقطنها أغلبية من المسلمين-؛ لتكوّن مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس خلال الحقبة الاستعمارية، آنذاك، وعُرفت بحكومة "بورما البريطانية". وفي العام 1942م تعرّض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين "الماغ " بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين البريطانيين وغيرهم راح ضحيتها أكثر من "مائة ألف مسلم "، وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشرّدت الهجمة الشرسة مئات الآلاف من المسلمين خارج الوطن، ولا يزال الناس -وخاصة كبار السن- الذين يذكرون مآسيها حتى الآن من شدة قسوتها وفظاعتها، ويؤرخون بها، ورجحت بذلك كفة البوذيين "الماغ"، وكانت سطوتهم مقدمة لما تلا ذلك من أحداث، وفي العام 1947م قُبيْل استقلال بورما عُقد مؤتمر في مدينة "بنغ لونغ" للتحضير للاستقلال، ودعيت إليه جميع الفئات والعرقيات باستثناء المسلمين "الروهينغا" لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير مصيرهم، وفي 4 يناير 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لـ "بورما" شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما إن حصل "البورمان" على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، حيث استمرت في احتلال أراكان دون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا والبوذيين "الماغ" أيضاً، وقاموا بممارسات بشعة ضد المسلمين، وظل الحال على ما هو عليه من قهر وتشريد وإبادة؛ ليزداد الأمر سوءا بالانقلاب الفاشي 1962م.
مسلمون بورما .. مأساة تسلم لمأساة
منذ استولى العسكريون الفاشيون على الحكم في بورما بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال "نيوين" عام 1962م بدعم المعسكر الشيوعي الفاشي الصين وروسيا، ويتعرض مسلمو أراكان لكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل.
كما يتعرضون لطمس الهوية ومحو الآثار الإسلامية وذلك بتدميرها من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي يمنع منعاً باتاً من الترميم فضلاً على إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد لـه علاقة بالدين من مساجد ومدارس ومكتبات ودور للأيتام وغيرها، وبعضها تهدّم على رؤوس الناس بفعل التقادم ، والمدارس الإسلامية تمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خريجيها. كما توجد محاولات مستميتة لـ "برمنة" الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً.
وأيضا التهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزراعية إلى مناطق قاحلة، تعد مخيمات تفتقد لمقومات الحياة، وتوطين البوذيين في "قرى نموذجية" تبنى بأموال وأيدي المسلمين وتسخير المسلمين للمهام الصعبة، كالعمل في البناء وتحت حرارة الشمس الملتهبة، وشق الطرق الكبيرة والثكنات العسكرية، دون أي تعويض يعود على المسلمين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية التي لا تعرف الرحمة.
الترحيل والعقاب الجماعي لمسلمي بورما
يتعرض المسلمون في "أراكان" للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش. وفي العام 1978م طرد أكثر من 500.000 أي نصف مليون مسلم، الآن يعيشون في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالطبع حياتهم محاطة بالمشكلات مع البنغاليين الفقراء وسط موارد محدودة، وفقر بلا حدود، وكل هذا لا يعلم عنه المسلمون في العالم شيئا، وإن علموا وقفوا مكتوفي الأيدي.
وفي العام 1988م فقد تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي، وأيضا في العام 1991م تم طرد قرابة 500.000 أي نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين، لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي NLD المعارض، ومن الإجراءات القاسية للنظام القائم كذلك إلغاء حقّ المواطنة للمسلمين؛ حيث تم استبدال بطاقتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً.
حرمان المسلمين في بورما من التعليم
يحرم أبناء المسلمين من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات، إمعانا في نشر الأمية، وتحجيمهم وإفقار مجتمعاتهم ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثم يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون، إضافة لحرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم، حتى الذين كانوا يعملون منذ حقبة الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل التعسفي، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف التي يحتاجها العسكر فإنهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل على نفقتهم ويدفعون تكاليف المواصلات للعسكر واستضافتهم عند قيامهم بالجولات التفتيشية للقرى، ويضاف لذلك منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة "رانغون" أو أية مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة "أكياب"، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح.
المسلمون لا حياة لمن تنادي
لا يسمح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، كما تفرض عقوبات اقتصادية مثل: الضرائب الباهظة في كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بسعر زهيد لإبقائهم في فقرهم المدقع، أو لإجبارهم على ترك أراضيهم وممتلكاتهم.
مطالب المسلمين في بورما ويطالب زعماء المسلمين في بورما بأن تمنح قضاياهم مكانتها اللائقة، والبحث والدراسة عنها بالإضافة إلى توفير فرص التعليم لأبناء "الشعب الروهنجي"، وتخصيص المقاعد للمنح الدراسية في الجامعات بكميات معقولة، وفتح المعاهد والجامعات، حيث تعد أوضاع المسلمين في بورما مأساوية، وظلوا ضحايا لشتّى أصناف الاضطهاد في مختلف نظم الحكم التي مرت على بورما، حتّى عهد الاضطهاد المجرد من الإنسانية من الحكومة العسكرية منذ أكثر من نصف قرن ،فيتعرض المسلمون للتشريد والتهجير والقتل والسجن وتوطين الآخرين في أراضيهم وغصب ونهب ممتلكاتهم وتقييد تنقلاتهم.
العالم يدعم الديمقراطية ولكن ليس في ميانمار
كانت للصين علاقات قديمة مع "ميانمار" بورما حيث تلتقي الحدود معها، وتجمعهما البوذية التي يعتنقها الشعبان ولها مصالح منذ الثورة الثقافية التي أرادت تصدير أفكارها إلى الدول المتاخمة لها، وهي الحليف الأوثق للعسكر هناك كما ذكر ذلك موقع الـ BBC، بل هناك اتفاقات ثقافية للارتباط القديم بين البوذيين في كلا البلدين تجلّى ذلك خلال زيارة للوفد الثقافي الصيني، وكانت العلاقات تسير على وتيرتها كعلاقة صداقة وتعاون وذلك في العقود الأخيرة، ولا توجد مشاكل قائمة بين البلدين، وأن الصداقة بين "ميانمار" والصين راسخة، والتعاون على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي بينهما يحقق تقدما جيدا.
وتعرضت "ميانمار" لعقوبات أمريكية وأممية على أثر قمع الجيش لثورة الرهبان البوذيين 20 سبتمبر 2007 م في شوارع "بانجون" كبرى المدن البورمية، حيث تحدى عشرات آلاف الرهبان البوذيين في "البلاد الإجراءات الأمنية التي فرضها الجيش، ونفذوا مظاهرات حاشدة في اثنتين من كبرى مدن البلاد، في احتجاج سلمي بدأه الرهبان للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري المستمر منذ 45 عاماً، وشارك الآلاف في "يانغون" و"مالاوي" المدينة البورمية في السير بسلام خلف الرهبان، وكذلك الكثير من مسئولي الدول مثل : رئيس الوزراء الإيطالي "رومانو برودي", ورئيس الحكومة البريطانية "غوردون براون", والمتحدث باسم المفوضية الأوروبية "أماديو ألتافاج تارديو", ووزارة الخارجية الإسبانية ونظيرتها السنغافورية، وفي كل ذلك لم يتحدث أحد عن المسلمين في بورما الذين يعانون الأمرين.
بحكم المصالح تراخت الصين في شجب الإجراءات القمعية التي قامت بها القوات العسكرية الحاكمة مع المطالبين بالديمقراطية من الرهبان البوذيين أو "ثورة الحفاة" كما يحلو للرهبان تسميتها، ولكن مع الضغط على بورما لدعم الديمقراطية التي كانت للبوذيين وحدهم، نجد بكّين تؤيد الإصلاح في "ميانمار", لكنها من خلف دعوتها الخجولة للقادة العسكريين تخفي الرغبة لحماية مصالحها الإستراتيجية والأمنية، المصالح المتبادلة حيث تحصل الصين على قواعد وتسهيلات عسكرية في موانئ المطلة على خليج البنغال والمحيط الهندي. وللصين مصالح في مجال الطاقة في ميانمار, كما تستورد سلعا من هذا البلد المعزول سياسيا, وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 21.1 مليار دولار العام 2005؛ م في مقابل الدعم المالي والسلاح.
بل نجد الصين "تعارض تماما" فرض العقوبات الأممية على "ميانمار"، نظرا لأنها لن تساعد في حل مشكلات البلاد، ويغلّب "لي وجيان تشاو " المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني جانب الحكمة والمسؤولية من قبل مجلس الآمن الدولي، وأن العقوبات لن تفيد جهود الوساطة التى يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة، ويسهم فى تحقيق الاستقرار، والمصالحة، والديمقراطية، والتنمية في "ميانمار"، ولكن بعد رسالة مساعد وزير الخارجية الأمريكية "جون نيجروبونتي" الموجّهة إلى الصين والهند والتي ورد فيها أنّ من واجب البلدين بصفتهما قوتين إقليميتين التوقف عن تزويد "ميانمار" بالأسلحة والطاقة، على أثر عمليات القمع التي قامت بها المجموعة العسكرية الحاكمة لتحركات كانت تطالب بالديموقراطية، وذلك في مؤتمر حول آسيا نظمته مجموعة "انتربرايز انستيتيوت الأمريكية":" إن الوقت حان لأنْ تضع بكين ودلهي جانبا عقود الطاقة التي ملأت جيوب المجموعة الحاكمة وتوقفا مبيعات الأسلحة إلى هذا النظام"، مما دعا الصين أن تظهر القلق حول الوضع في "ميانمار".
الوضع المضطرب في "ميانمار" يقلق الصين الجارة الكبرى للبلاد التي تشترك معها بحدود يتجاوز طولها ألفي كيلومتر عبر أحراش وجبال وأنهار، تشمل جزءا من أراضي "المثلث الذهبي" مصدر إنتاج وتهريب المخدرات بمنطقة جنوب شرق آسيا، ومن أبرز أهداف الصين الإستراتيجية في "ميانمار" محاصرة التحالف الناشئ بين الهند والولايات المتحدة واليابان وأستراليا, فهذا التحالف يهدد الصين, لذا فهي تجد أن من الطبيعي إقامة علاقات جيدة مع هذا البلد المجاور، وبدون دعم الصين ربما لن تقوى الحكومة العسكرية على الصمود وقد تنهار في أي لحظة، ولكن لم نسمع صوتا واحدا يدين القمع الذي يتعرض له المسلمون الذين راحوا ضحايا للمطالبة بالديمقراطية، ويدفعون الثمن غاليا بينما التنظيمات العرقية والدينية الأخرى لم تلق من القمع شيئا.
التعليقات
إرسال تعليقك