التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
لمدَّة خمسة قرون ظلَّت الخلافة العثمانية تُؤدِّي الدور الأوَّل والوحيد في حماية المسلمين والعرب.
والغريب أنَّ هذه القرون الممتدَّة من القرن الخامس عشر حتى مشارف القرن العشرين لم تحظَ من المؤرِّخين باهتمامٍ كافٍ، بل إنَّها وُوجِهَت بتفسيراتٍ غريبةٍ عنصريَّةٍ أو جدليَّةٍ مادِّيَّةٍ أو شعوبيَّةٍ متطرِّفة، ولم يُحدِّثنا هؤلاء المتطرِّفون عن حالة العرب -مثلًا- لو لم تكن هناك دولةٌ عثمانيَّة، أو لم يكن من المحتَّم أن تقع الدولة الإسلاميَّة والعربيَّة تحت براثن الغزو الصليبي قبل وقوعها المعروف بهذه القرون؟!!
لقد كان الأوربِّيُّون قد سيطروا على البحر الأبيض المتوسِّط، وقد نجحوا في إخفاء صوت الشرق، وبدأت النهضة تنطلق من أوربَّا؛ من مصانعها، ومن تطوُّر وسائل التقنيَّة بها، وتقدُّم الفكر الاجتماعي والسياسي.
ولم يكن بقدرة العروبة النائمة -التي لم تستطع إلى الآن أن تستيقظ اليقظة المرجوَّة- أن تقف في وجه هذا الزحف، وعلى الرغم من تخلُّف العثمانيِّين في بعض النواحي -كما هو معلوم- فقد كانت قوَّتهم العسكريَّة تدوي في أوربَّا، وكانت هذه القوَّة بالنسبة إلى الأوربيِّين هي القوَّة التي لا تُغلب ولا تهزم، حتى إنَّ أوربَّا لم تجتمع على مسألةٍ إلَّا على اجتماعها على المسألة الشرقية أو مسألة التهام الرجل المريض "الخلافة العثمانية".
وبالطبع فإنَّ العثمانيِّين لم يستطيعوا شأنهم شأن العالم الذي كان قد بدأ يدخل في طور عمليَّة انقلابٍ داخليَّة جديدة تمهيدًا لميلادٍ جديدٍ، أن يُواجهوا هذه الثورة العلمية الزاحفة.
وكما هي عادة المتخلف حضاريًّا والمتقدِّم عنصريًّا وعشائريًّا، ذهب العرب -وذهب غيرهم- إلى رمي الخلافة العثمانيَّة حاميتهم بأنَّها المسئولة عن تخلُّفهم الذريع، وعندما ماتت هذه الخلافة موتها الحضاري قبل موتها التاريخي سرعان ما سقط هؤلاء في وهدة الغزو الصليبي ولم تنفعهم عنصريَّتهم القوميَّة، ومع ذلك لايزالون يكيلون للخلافة العثمانية الطعنات.
لقد كانت الدولة العثمانيَّة قويَّةً بلاشَكٍّ طيلة القرون التي حكمت فيها وإلي بداية اضمحلالها، فلمَّا بدأت سنوات الاضمحلال تحوَّلت أسباب قوَّتها إلى أسباب ضعف، وهذا هو الشأن في قوانين الحضارة.
إنَّ عوامل القوَّة تتحوَّل برتابتها وعدم تجديدها لنفسها إلى عالةٍ على حركة التطوُّر، ولقد أصبحت الإنكشاريَّة ووسائل الحرب التقليديَّة عالةً على حركة التقدُّم العثماني، وانقلبت العسكريَّة العثمانية التي قدَّمت ما قدَّمت للحضارة الإسلامية إلى عبءٍ تنوء به الدولة.
وفي ظلِّ قرون القوَّة التي عاشتها الدولة تمتَّعت بأنظمةٍ ممتازةٍ؛ من حكومةٍ مركزيَّة، إلى مجلس وزراءٍ يرأسه الصدر الأعظم، إلى ديوان سلطاني مكوَّن من الوزراء وكبار الموظَّفين، على القضاء الذي يرأسه شيخ الإسلام، على نوَّابٍ عن الجيش.
أمَّا في الولايات، فكان يتولَّى أمر كلِّ ولايةٍ والي "الباشا"، الذي يُعيَّن من قِبَل الخليفة، ويُعاونه في أعمال إدارة الولاية "الديوان".
أمَّا القضاء، فكان يتولَّاه قاضي القضاة -قاضي عسكري-.
وقد قُسِّمت الولايات إداريًّا إلى سناجق، عُيِّن على كلٍّ منها حاكمٌ سُمِّي بالسنجق، مهمَّته الإشراف على شئون الأقاليم، والحفاظ على الأمن، وجمع الضرائب، وفي كلِّ ولايةٍ كان يوجد حاكمٌ عسكريٌّ وحاميةٌ عسكريَّةٌ تُساعد الباشا على حفظ النظام والأمن.
كانت هذه هي خلاصة تنظيمات الدولة، وكانت هذه التنظيمات وسائل قوَّة، فلمَّا انقلبت دفَّة الحضارة، وظهر أنَّ حركة التاريخ لم تكن في صفِّ الدولة العثمانية- تحوَّلت هذه التنظيمات من أدوات قوَّة إلى أدوات ضعف، وقد ساعد هذا الضعف على تحقيق أغراضه في تعجيز الدولة عن حماية الأراضي الخاضعة لها عدَّة عوامل:
أوَّلًا: ضعف بعض السلاطين وانغماسهم في الترف.
ثانيًا: فساد أجهزة الدولة وانتشار الرِّشوة.
ثالثًا: تدخُّل رجال الحاشية في شئون الحكم.
رابعًا: ثَمَّة عوامل أخرى كثيرة عملت عملها في إفساد الحياة السياسيَّة والعقائديَّة والفكريَّة، وجرت على الخلافة الويلات.
خامسًا: ممَّا لاشَكَّ فيه أنَّ "الأعداء" الصليبيِّين، والأعداء اليهود؛ كجماعات الدونما والماسونيَّة، لاشَكَّ أنَّ هؤلاء جميعًا كانوا عوامل إضعافٍ للخلافة العثمانيَّة.
وكان أكبر عوامل نجاح اليهود والصليبيِّين في ضرب الخلافة العثمانيَّة الإسلاميَّة، هو بعثهم لِمَا يُسمَّى بالنزعات العنصريَّة القوميَّة؛ الطورانيَّة للترك، والقوميَّة الكرديَّة، والبربريَّة، وعشرات القوميَّات المعروفة الأخرى.
وجروا هؤلاء جميعًا إلى ترك الخلافة العثمانية في محنتها، بل جروا إلى ضرب الخلافة والتجمُّع ضدَّها تحت قياداتٍ قوميَّةٍ عميلةٍ للجمعيَّات اليهوديَّة، وقد نجح بعض أفراد هذه القيادات نجاحًا كبيرًا في تبوُّء مناصب كبرى، وبالتالي في ضرب العثمانيِّين والإسلام في الصميم.
المصدر: كتاب دراسة لسقوط 30 دولة إسلامية، د. عبد الحليم عويس.
التعليقات
إرسال تعليقك