التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تعرف على أهم وسائل حفظ الأغذئية والأشربة في الأندلس، والتي ما زال الكثير منها مستخدم إلى الآن في بلادنا العربية والإسلامية بل وفي أوروبا.
من أهم الصناعات الغذائية التي برع فيها الأندلسيون براعة عبرت عنها كتب الفلاحة الأندلسية، كيفية حفظ الخضر والفاكهة إما بالتخزين أو التخليل أو التجفيف وغيرها من الطرق التي أتاحت لهم تواجد هذه المحاصيل طوال العام ليعد بذلك مصدر فخر لهم "لئلا يخلو مخزن الملوك منها للأضياف والمرضى"..
ويعني تقديمها للضيوف والمرضى الذين يشتهون أنواعًا معينة من الخضر والفاكهة في غير أوقاتها أو كما يقول أبو الخير الإشبيلي: "لمن أحب أن يأكلها في غير أيامها".
أ- حفظ الخضر والفاكهة:
تجفيف العنب:
قام الأندلسيون بتجفيف العنب فعرفوا عمل الزبيب، وقد اشتهرت بها أنواعًا عدة من أشهرها: الزبيب المنكبي وهو المنسوب إلى المنكب (مدينة بغرناطة تقع على البحر المتوسط) ثم زبيب إشبيلية ذو الشهرة العالمية نوع آخر يعرف بالأغشية، وكما تعددت أنواعه تعددت كذلك طرق تزبيبه (تجفيفه) منها:
- أن تفرش عناقيد العنب فوق أوراق الشجر حتى تجف وتصير زبيبًا.
- أو أن يقطف العنب ويغمس في ماء وملح ويفرش على تبن في مكان بارد لا تأتى عليه الشمس ولا يوقد فيه نار.
- أو أن ينثر عليه وهو معلق نشارة خشب الصنوبر أو الأرز.
- أو أن يغمس في ماء الشب ثم يعلق.
أمَّا زبيب الأغشية فطريقة تجفيفه تكون بأن يوضع العنب في ماء مغلى به منقوع رماد شجر السرو أو رماد الفول ويخرج بسرعة قبل أن يتشقق وينشر في الشمس على حشيش حتى يجف، ويذكر في تقويم قرطبة أنه "يبدأ بتزبيب العنب" في شهر يوليو.
تجفيف التين:
يطلق الأندلسيون على التين الرطب في لفظهم العامى اسم العصير وابتداء من شهر يولية (تموز – أبيب) من كل عام يبدأون في تجفيف التين في المناطق السهلية، في حين يبدأ أهل السواحل هذا العمل في شهر أغسطس (آب – مسرى)، كما يطلقون كلمة الباكورة على ما بكر من التين وهو ما أخذ عليهم من قبل اللغويين، فالباكورة "أول ما يطيب من الثمار والبقول"، ولكن الأندلسيون قصروا الكلمة على التين فقط.
ومن أشهر المدن الأندلسية انتاجًا للتين مدينة "مالقة" التي بها نوعان منه، هما: الريى وبليش (نسبة إلى حصن بليش)..
ثم تأتى بعد ذلك مدينة "إشبيلية" وقد بلغ التين شأنًا عظيمًا، فقد كان يصدره التجار المسلمون والمسيحيون إلى شتى أرجاء العالم إلى بغداد والهند والصين وكان يدوم عامًا كاملًا دون أن يفسد اثناء المبادلات التجارية.
وقد كان لتخزين التين وتجفيفه طرقًا عديدة منها الطلاء بالجص أو الدفن في تبن الشعير أو الدفن في الرمل، أو أن يوضع في أواني فخارية ويتم تزفيتها.
تخزين الرمان:
لتخزين الرمان عدة طرق منها أن يوضح في نشارة خشب البلوط أو يغمس في ماء مملح ثم يجفف بالتعرض للشمس أو يجعل في الخزف ويقفل عليه بالجص ويرفع في مكان جاف أو يغمس طرفاه في قار مذاب ويعلق..
وأما القراسيا والانجاص فتجفف بالشمس مثلما يصنع بالعنب ثم يرفع في الأزيار وتحكم تغطية رءوسها وترفع..
أما البلوط والقسطل فتحفظ في سلال وتُعلَّق حيث تهب عليها الرياح أو يكون التخزين بأن يحفر في مكان لا يصيبه مطر بعمق ثلاثة أشبار ويفرش فيها الرمل البارد مع ورق البلوط..
أمَّا التفاح والسفرجل فيكون تخزينها في أزيار بطبقات فوق بعضها البعض بينها قطع من قماش الكتان بحيث تكون الطبقة الأخيرة من قماش الكتان ثم تقفل بالطين والطفل في مكان بارد ويتم مراجعتها كل ثلاثين يومًا بإخراج الثمار التي تعفنت منها..
أو أن تؤخذ كل حبة على حدة وتوضع عليها طبقة من الطين بعد أن تلف في الكتان وتجفف في الظل وترفع على ألواح معلقة مصففة وإذا أريد أكلها وضعت في الماء حتى ينحل الطفل عنها.
تخزين الخضر:
عرفت كذلك طرقًا عديدة لحفظ الخضر مثل القرع والباذنجان والقثاء بأن تؤخذ في آخر الصيف وتطبخ وترفع الأزيار وتغمر بالخل الثقيف (غير مخفف) وتغطى بمقدار من الزيت ثم يحكم غطاؤها جيدًا، أو أن تجعل نيئة في الخل وابن العوام يسهب في كيفية تخليل الخضر مثل البصل والثوم والكرات والجزر والباذنجان والليمون والكبر (القبار) وغيرها.
تخزين الزيتون:
أوضحت كتب الفلاحة الأندلسية عمل الزيتون الأسود وتخليله كأن يجمع الزيتون وينثر عليه ملحًا ويبيت طول الليل ويجعل بعضه على بعض ويسنده ليسيل منه الماء الزائد ويترك خمسة أيام أو سبعة حتى يزول ماؤه وبعدها يتم استعماله..
وكذلك في شهر أكتوبر من كل عام يجمع الزيتون ويشق ويغسل وتوضع عليه بعض المنكهات مثل الصعتر والأترنج والنعناع وماء عذب وخل وملح ويترك حتى يطيب، ويكفي أن الأندلسيين –وذلك واضح في مصادر التقويم والزراعة المتعددة– لم يتركوا شهرًا من شهور السنة إلَّا وتحدَّثوا فيه عن الزيتون وكيفية العناية به في كل شهر حتى موعد حصاده.
ب- صناعة المربات:
في شهر يناير (كانون ثان – طوبة) "يعمل مربب الأترنج ومربب الجزر"، في حين يعمل مربى الورد والشقاقل في شهر إبريل (نيسان – برمودة) وفي شهر مايو يعمل مربى الجوز وفي يولية (تموز - أبيب) يعمل مربى القرع وفي أغسطس (آب – مسرى) مربى الكمثرى..
والمؤكد أن الأندلسيين قد استفادوا من موسم حصاد الفواكه وأنواع معينة من الخضروات لعمل المشروبات والمربات والربوب وإن لم يذكر صراحة في كتاب تقويم قرطبة كيفية عملها غير أنها موجودة في كتب الطب والفلاحة والأغذية الأندلسية.
ج- المشروبات والربوب:
كان لصناعة الربوب والمشروبات علامة وثيقة بالتقويم، كذلك كانت تجمع بين المنفعة الغذائية والعلاجية لذا لم يكد يمضى شهر من شهور السنة حتى تتخذ أنواع عدة من المشروبات والربوب المحضرة من الفاكهة والزهور بطريقة معينة متعارف عليها حتى تعطى قيمها الغذائية والعلاجية المرجوَّة.
ففي شهر يناير (كانون ثان – طوبة) يعمل شراب حمَّاض الأترنج وفي إبريل (نيسان – برمودة) يعمل شراب الورد وماؤه وكذلك شراب البنفسج وفي شهر مايو (آيار – بشنس) يعمل شراب التفاح الشعبى وشراب بذر الخشخاش..
وفي يونيو (حزيران – بؤونة): شراب الحصرم والتوت وعيون البقر (الخوخ)..
وفي يوليو (تموز – أبيب): شراب الكمثرى والتفاح وفي سبتمبر (أيلول – توت): شراب الرمانين (الرمان الحلو والرمان الحامض) ورب العنب وشراب الميبة..
وفي أكتوبر (تشرين أول – بابة): شراب السفرجل والتفاح المزّ، وفي نوفمبر (تشرين ثان – هاتّور): شراب البلوط والقسطل وحب الآس.
المصدر:
نجلاء سامي النبراوي: التقويم المصري بالأندلس في عصر الخلافة الأموية (300 - 422هـ)، مجلة كلية الآثار، جامعة جنوب الوادي ،عدد يوليو 2008م، ص304-350
التعليقات
إرسال تعليقك