التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بعد أن قدَّموا صفحة تاريخية رائعة من صفحات الحضارة الإسلامية قُدَر للسلاجقة أن يأفل نجمهم وأن تغرب شمسهم بعد أنْ حَكم منهم واحد وثلاثون زعيمًا سلجوقيًا.
في تركستان - بدولة الاستعمار السوفيتي - نشأت هذه الأسرة.. ولظروف ما هاجرت هذه الأسرة بقيادة كبيرها " سلجوق " الذي تنسب الأسرة إليه.. وبين خراسان، وبخارى، وأصبهان، تراوحت إقامتها حتى استقرت بمرو حيث هاجمها السلطان الغزنوي مسعود ولكنه هُزم أمامها.. وأصبحت الخطبة تلقى بمرو باسم داود السلجوقي.. نجل سلجوق الكبير، وكان هذا في سنة 433هـ.
ومن مرو انتشر سلطان السلاجقة إلى الري وإلى خوارزم، وبدأ تاريخهم يظهر كقوة لها كيانها المستقل في العالم الإسلامي خلال القرن الخامس للهجرة. وقد نجحوا في السيطرة على بلاد كثيرة.. كخراسان وأصبهان وهمذان وبخارى، وامتد نفوذهم حتى العراق. والتحموا بالدولة العباسية، ثم أتيحت لهم فرصة ذهبية. إذ استنصر بهم الخليفة العباسي " القائم" ضد ثائر شيعي يُدعى " البساسيري" عجزت الخلافة العباسية عن مقاومته، فأسرع السلاجقة إلى انتهاز الفرصة التاريخية ودخل زعيمهم طغرلبك بغداد منتصرًا على البساسيري سنة 447ه وكان هذا العام حدًا فاصلًا في تاريخ السلاجقة إذ اعتبر بداية عصر نفوذ السلاجقة وسيطرتهم على مصير الخلافة العباسية الكبرى.
امتاز السلاجقة الأتراك في معاملاتهم بالتدين، وكانوا مظهرًا للإنسان الفطري الذي هذبه الإسلام، وإذا ما استثنينا صورًا قليلة تحتمها الطبيعة البشرية التي لا تخلو من بعض القصور، نستطيع أنْ نقول إنَّ هؤلاء السادة كانوا نموذجًا طيبًا حتى في معاملتهم للخليفة العباسي الذي حفظوا له عرشه..
إنهم لم يكونوا كالذين انتصر بهم المعتصم، ولم يكونوا كالبويهيين حينما سيطروا على الخلافة وأذلوا كبرياء الخلفاء.. أبدًا لقد احترموا الخلفاء وأجلوهم، وكان لهم - كذلك - فضل كبير في رفع راية الإسلام، وفي مد عمر الخلافة العباسية أكثر من قرنين من الزمان، كما أنهم بدأوا مرحلة جديدة من التوسع الإسلامي في اتجاه آسيا الصغرى، ويقال إن هذا التوسع كان أحد أسباب قيام الحروب الصليبية.
ومن الظواهر المتعلقة بسياسة السلاجقة الاجتماعية والفكرية.. إلغاء أشهر ملوكهم ألب أرسلان لنظام المخابرات ولجوء أحد ملوكهم نظام الملك إلى نظام الإقطاع.. بإعطاء الشخصيات السلجوقية والشخصيات الأخرى الكبرى إقطاعات أو " أتابكيات" لحسابها الخاص. ومن الظواهر كذلك الحملات الجهادية شبه المنتظمة التي كانت خير علاج للفوضى الداخلية.. كذلك من الظواهر صراع السلاجقة المستمر ضد حركات الإسماعيلية، ونجاحهم في تقليم أظفارهم.
وبعد صفحة تاريخية رائعة من صفحات الحضارة الإسلامية امتدت بين سنوات (433- 619هـ) قدر للسلاجقة أن يأفل نجمهم وأن تغرب شمسهم بعد أنْ حَكم منهم واحد وثلاثون زعيمًا سلجوقيًا، وبعد أنْ قدموا للخلافة الإسلامية الكبرى أجل الخدمات وحموها من كثير من عثرات السقوط، وقدموا للحضارة الإسلامية يدًا من أروع ما قدمت الدول الإسلامية من أياد.
بيد أنْ السلاجقة وقعوا وهم يسيرون في الطريق في أخطاء ظنوها خيرًا.. فانقلبت على دولتهم شرًا. لقد لجأ السلاجقة - كما ذكرنا - إلى نظام الإقطاعات وأسندوا معظمها إلى شخصيات سلجوقية، وقد حسبوا أن هذا من شأنه أنْ يشغل السلاجقة عن التفكير في الحُكم، وأن يرضيهم بالبعد عن السلطة، لكن الإقطاعيين السلاجقة سرعان ما حاول كل منهم أن يكّون لنفسه من إقطاعاته إمارة صغيرة حاولت كل منها الانفصال عن السلطة وهو عكس ما كان يهدف إليه السلاجقة الحكام، وقد أدى هذا إلى تفكك وحدة السلاجقة وإلى إجهاد السلطة السياسية الحاكمة، وإلى توزع الدول بين عديد من الأمراء.
كما أن هذا الخطأ أدى إلى عدول السلاجقة عن طريقة اختيار زعمائهم القديمة التي كانت تعتمد على الكفاءة.. إلى طريقة جعل الزعامة وراثية نظرًا لكثرة تنازع أمراء الإقطاعات عليها ومن المضاعفات كذلك تهاون السلاجقة - في ظل تفككهم - أمام حركات التمرد الباطنية لا سيما الحركة الإسماعيلية بزعامة قائدها الحسن الصباح.. وقد قدر لهذه الحركة أن تستنفذ طاقة كبرى من طاقات السلاجقة التي كان في الإمكان استخدامها في القضاء على حركات التفكك التي أصيبت بها الدولة أو الزعامة السلجوقية للخلافة العباسية.
وتبقى كلمة التاريخ الموحية: فإن السلطة غير الحازمة، والتي تقبل التهاون في وحدة الدول إرضاء لبعض العناصر أو الشخصيات.. هذه السلطة ستدفع ثمن تهاونها يوما. إن عقال بعير يُمنع من الحاكم- بغير حق- هو انتقاص لسيادة الدولة.. هكذا فهم أبو بكر رضي الله عنه الأمور.. وبهذا نجح في القضاء على المتمردين.
وهكذا كان يجب أن يفهم السلاجقة وغيرهم من زعماء الدول.. الذين يقبلون نصف الحكم.. أو شيئًا من الحكم دون وعي منهم بأن سيادة الدولة لا تتجزأ، وبأن أنصاف الحلول أو أرباعها.. مقدمة طبيعية
لزوال الحُكم كله.. هكذا علمنا تاريخنا الإسلامي العظيم[1].
[1] عبد الحليم عويس: دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية، ص45- 47.
التعليقات
إرسال تعليقك