التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تضافرت ظروف عالمية وإسلامية وداخلية على إنهاء الدور الذي قام به المماليك، وبذا فقدوا دورهم في التاريخ.. وسقطوا بعد أن أدوا للحضارة الإسلامية الكثير.
كانوا دائما أهل طعان ونزال.. كانوا أشقاء للسيف، والرمح هو هويتهم، وهو مؤهلهم للحياة والبقاء.. وعلى امتداد تاريخهم كان السيف مقرونا بهم.. وكانوا عضد الدولة الإسلامية في كثير من المواقف، وكانوا حماتها من أعدائها. وفي مقابل ذلك عاشوا.. وتحملتهم شعوب مصر والشام، وسمحت لهم بالسيطرة عليها.. وهم بدورهم كانوا جيشها وأسطولها وحماتها أمام كل غزو خارجي، وكانوا يخضعون لتقاليد البلاد ولا يعرفون لهم ولاء إلا للدين الذي عاشوا به وربوا على تعاليمه، والسلطان الذي يحكم.
ثم مع تطورهم الداخلي أصبح ولاؤهم للسلطان الذي يحكمهم منهم.. ولقد شكلوا مجتمعًا ذا هوية خاصة، له أسلوبه الخاص في الحياة، وله تربيته الخاصة وله فكره الخاص.. لقد كان مجتمعهم أشبه ما يكون بالمجتمع العسكري أو المجتمع البحري الذي يعيش للبحر أو الجندية، فالجندية عقله وهي عاطفته.. ولا ولاء عنده لسواها.
وعندما مات فجأة آخر سلاطين الأيوبيين الملك الصالح نجم الدين أيوب.. تكتمت زوجه شجرة الدر الخبر لأن بلاد مصر كانت في حرب مع لويس التاسع الذي هُزم وأبيد جيشه في دمياط والمنصورة، ثم استدعت الزوجة الملكة "شجرة الدر" ابن زوجها " توران شاه " لينقذ البلاد، فلما جاء توران وأنقذ البلاد من الصليبيين، وحاول أن يستأثر بالسلطة دبرت المرأة قتله.. ثم أقامت نفسها بمساعدة المماليك ملكة على مصر، وقد اختار المماليك كبيرهم عز الدين أيبك ليقوم بمساعدة المملوكة التي صارت ملكة "شجرة الدر" في إدارة شؤون مصر، وتطور الأمر فتزوجت شجرة الدر من مساعدها عز الدين أيبك، وتنازلت له عن السلطة.
وهكذا تم تنازل آخر من ينتسبون إلى دولة الأيوبيين بنسب إلى كبير المماليك، ومع أن شجرة الدر تعتبر البداية التاريخية لدولة المماليك، لكن البداية الأكثر عمقًا وأحقية هي التي مثلها هذا التنازل، ثم استأثر عز الدين أيبك بالسلطة سبع سنوات أحست فيها المملوكة القاتلة بأنها سلبت كل سلطة، فقامت بقتل زوجها الجديد مثلما قتلت من قبل ابن زوجها القديم، لكن المماليك سرعان ما قتلوها ثأرًا وانتقامًا.. واستقر الأمر لدولة المماليك في مصر والشام.
والمماليك قسمان: برجية نسبة إلى أبراج القلعة التي كانوا يسكنون فيها بالقاهرة.. وبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة المطلة على النيل التي كانوا يسكنون فيها كذلك، ومن أشهر المماليك الأُول برقوق.. وآخرهم قانصوه الغوري الذي سقط تحت سنابك خيل السلطان سليم الأول العثماني سنة 1517م.
ومن أشهر المماليك البحرية عز الدين أيبك وبيبرس والمنصور قلاوون.. وقد انتهى هؤلاء من قبل المماليك البرجية بحوالي قرنين، وكان المماليك البرجية أبطال عين جالوت يمثلون امتدادهم التاريخي. فلقد لعب المماليك البرجية بخاصة في تاريخنًا دورًا لم تقم به إلا دول قليلة في التاريخ.. لقد صدوا غارتين حضارتين من أكبر وأشهر الغارات التي عرفها تاريخنا وتاريخ الإنسانية.
كانت الأولى يمثلها زحف هولاكو الذي ينتمون إليه جنسيًا، لقد صدوه بعقيدتهم الإسلامية التي لم يعد لهم ولاء إلا لها، وقد وقفوا أروع وقفاتهم في صده في عين جالوت الشهيرة رافعين راية وإسلاماه!! في سنة 658هـ= 1260م، ثم كانت الثانية في معاركهم الدائمة ضد الصليبيين الذين كانت لهم بقايا بعد صلاح الدين.
فعلى يد السلطانين المنصور قلاوون الذين تسلم الحكم سنة 678هـ والسلطان الأشرف خليل الذي تولى الحكم سنة 689هـ، على يد هذين السلطانين فضلًا عن جهود بيبرس، تهاوت قلاع الصليبيين الباقية والتي كانوا قد تقدموا في بعضها بعد صلاح الدين كحصن المرقب وعكا وغيرهما، وطويت على يد المماليك آخر صفحات الغزو الصليبي الذي استمر قرنين من الزمان وكان ذلك سنة 960هـ.
وقد تضافرت ظروف عالمية، كاكتشاف رأس الرجاء الصالح، وظروف إسلامية كبروز الأتراك ثم محمد علي، وظروف داخلية كانقسام الأتراك على أنفسهم. تضافرت كل هذه الظروف على إنهاء الدور الذي قام به المماليك، لكن كان أكبر سبب هوى بالمماليك وزحزحهم من مكانهم في التاريخ، هو أنهم نسوا الرسالة التي عاشوا من أجلها وتعاقدوا مع الشعوب التي حكموها بشأنها.
نسو رسالتهم في الدفاع الخارجي.. نسوا السيف، وتبلدوا عند أسلوب معين، ولم يطوروا أنفسهم، ثم تطوروا فانقلبوا من حماية خارجية للأمة إلى متسلطين داخليين عليها يمنعون حركتها وتطورها. وبذا فقدوا دورهم في التاريخ.. وسقطوا بعد أنْ أدوا للحضارة الإسلامية الكثير.. وأنقذوها من أكبر خطرين عالميين وهما التتار والصليبيون[1].
[1] الحليم عويس: دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية، ص55- 57.
التعليقات
إرسال تعليقك