ملخص المقال
يُعد ساموري توري من الزعماء الأفارقة المسلمين الذين لعبوا دورًا هامًا في غربي القارة الإفريقية، لأنه جسد البطولة والمقاومة ضد الغزاة المحتلين حوالي
يُعد ساموري توري من الزعماء الأفارقة المسلمين الذين لعبوا دورًا هامًا في غربي القارة الإفريقية، لأنه جسد دور البطولة والمقاومة ضد الاحتلال الأوروبي، وقد استمر يحارب ضد الغزاة المحتلين حوالي سبعة عشر عامًا، بدءًا من عام 1881م، وحتى القبض عليه عام 1898م، وقد كان لدى هذا الزعيم القدرة على الرؤية بوضوح، والتجاوب بفاعلية مع الظروف المتغيرة، وكانت رسالته الكبرى في الحياة هي الدفاع عن الإمبراطورية الإسلامية التي كانت هدفها نشر الدين الإسلامي في غرب إفريقيا ومقاومة الاحتلال الغربي فيها.
مولد ساموري توري ونشأته
ولد ساموري توري عام 1835م في ساننكورو بالقرب من بلدة بيساندوغو في وسط ما يسمى اليوم بجمهورية غنيا كوناكري، وكان والده يعمل مزارعًا بين قبائل المالنك، وينتمي إلى طبقة من التجار المسلمين المعروفين باسم الديولا، وكانت قبيلة ساموري توري تعيش حول مدينة جني ضمن إمبراطورية مالي الإسلامية، ثم توجهت في القرن الخامس عشر إلى أعالي نهر النيجر.
قضى ساموري توري السنوات الأولى من حياته في قرية والده، ولما بلغ سنة السابعة ذهب للعيش مع خالته وزوجها في إحدى القرى المجاورة، وعاش هناك فترة يعمل في الزراعة وتربية الماشية، ولما عاد إلى أبيه مرة ثانية قام أبوه بتدريبه على أصول التجارة والزراعة.
ملحمة ساموري توري
يمكن أن تنقسم الحياة النضالية لساموري توري إلى أربع مراحل:
مرحلة الإكتشاف والتفكير (1835- 1852م)
عندما بلغ ساموري توري سن الثامنة عشرة طلب من والده السماح له بالعمل في التجارة مع الديولا، فأرسله والده إلى صديق له ليدربه على تجارة السلاح والبارود، ومن خلال ذلك عرف ساموري أماكن الحصول على السلاح عندما بدأ يفكر في بناء إمبراطورتيه، وفي تلك المرحلة اعتنق الإسلام والتزم بتعاليم الدين الإسلامي، لذا قضى معظم وقته بالدراسة والتفكير بالإضافة إلى ممارسة حرفة التجارة، وخلال هذه المرحلة سافر إلى عدة مناطق في السودان الغربي فاطلع على نظام حياة عدة مجتمعات هناك.
مرحلة التدريب على القتال (1852- 1861م)
في عام 1852م حمل بعض أصدقاء ساموري توري إليه أن قوات ملك بيساندوغو الوثني سوري بيراما قد اغارت على بلدته ساننسكورو وشعبها، ومن نتيجة ذلك تم أسر أمه، وعند سماعه هذا الخبر أخذ يفكر في أفضل الطرائق لإنقاذ والدته من الأسر، وبعد ذلك قرر أن يخدم ذلك الملك الذي أسر أمه لمدة سبع سنين مقابل الإفراج عن والدته، وخلال تلك المرحلة استطاع أن يتعلم طرق الدبلوماسية، كما أنه تدرب على فن قيادة جماعات الإغارة على القبائل الأخرى.
لكنه سرعان ما فر من الجيش عام 1861م، وتحصن في الجبال تاركًا كل ممتلكاته... وتحالف مع رجال مجاهد أخر يدعى موري يولي سيس وأقسم على بناء دولة إسلامية في تلك المنطقة.
مرحلة البناء والتوسع وبناء الدولة الإسلامية (1861- 1881م)
بعد ولادة التحالف والتعاون بين رجال موري يولي سيس وساموري توري عام 1861م، قام ساموري بجمع الرجال وتدريبهم على فنون القتال وتم تسليحهم، بل شكل ساموري توري جيشًا مدربًا يضم جنودًا محترفين فضلًا عن الميلشيات الشعبية التي كانت تجيء من القرى في حالة الحرب، وفي فترة وجيزة ذاع صيت ساموري توري وأخذ نفوذه يمتد في المناطق ... وسط غينيا كوناكري...
وبين عامي 1865م و1879م تصادم ساموري مع قبائل تلك المنطقة فانسحب إلى الغابات إلا أنه عاد إلى العلن من جديد ولكن ظلت قواته أقل من قوات القبائل فنقل معسكرها إلى مدينة بيساندوغو عام 1873م، ومن هناك أعلن عن حماية التجارة وطرقها فتعاطف التجار معه وساعدوه في بناية امبراطوريته الجديدة.
في عام 1874م بدأ ساموري الغزو التدريجي لكل القرى المجاورة لعاصمته، وفي العام نفسه تحالف مع المسلمين في مدينة كانكان، وساعدوه على التخلص من الحصار الوثني المضروب حولهم... وبهذا استطاع أن يهزم جماعات مهمة من القبائل، وازدادت سيطرته على بعض المناطق، ونجح في تحطيم كل القوى المنافسة له، وصار أكبر قائد لإمبراطورية إسلامية عرفها شعب المالينك، وكان ساموري يفكر في مبدأ واحد يجمع شمل كل هذه المنطقة، ووجد أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو أفضل السبل لحكم هذه الأقاليم من إمبراطوريته.
مرحلة الحرب مع فرنسا (1881- 1891م)
هذه الفترة مليئة بالبطولات والأحداث الجسام في حياة المجاهد الإسلامي في سبيل الدين والوطن ضد الغزو الأوروبي الذي سعى إلى تدمير الحضارة الإسلامية تحت شعار إدخال الحضارة الأوروبية وتمدين الأفارقة.
تصادف قيام الدولة الإسلامية مع خطط الفرنسيين في السودان الغربي وهو الأمر الذي جعل من المحتم دخول هذا المجاهد الإسلامي في صراع مع هذه القوى الاستعمارية، ولقد وقفت القوى الأوروبية ضد طموحات هذا المجاهد الإسلامي الكبير، ولسوء حظه أنه بدء نضاله من أجل نشر العقيدة وإخضاع القبائل الوثنية في الوقت نفسه الذي راحت القوى الاستعمارية تبسط نفوذها على القارة الإفريقية بعد قرارات تقسيم القارة.
وكان ظهور ساموري توري ودعوته للجهاد وتكوين إمبراطورية إسلامية قد تلازما وتواكبا مع التكالب الاستعماري على أفريقيا، وكان لابد من التصادم والصمود والكفاح في سبيل نصرة الدين والحضارة الإسلامية.
شرع الاستعمار الفرنسي يوطد دعائمه في المنطقة منذ عام 1842م حين وقع الفرنسيون معاهدات حماية مع الزعماء المحليين... وقد بدأ ساموري صراع مع القوات الفرنسية الاستعمارية منذ عام 1881م، ففي ذلك العام رفض هذا القائد المسلم الانسحاب من منطقة يسيطر عليها وتسليمها لفرنسا مما أدى إلى العديد من المعارك التي انتصر فيها ساموري، غير أن قيام القبائل الوثنية بالهجوم على الجيش المسلم، وتوقيع بعض منافسيه معاهدة مع فرنسا أدى إلى مواجهة عسكرية عام 1881م مع الجيش الفرنسي.
وبعد القضاء على منافسيه من الوثنيين في عام 1884م اتخذ ساموري لنفسه لقب الإمام أو أمير المؤمنين، وطلب من أهله ورعاياه اعتناق الدين الإسلامي، وفي العام نفسه ألغى شرب الخمور واستيرادها، ومنع كل العادات الوثنية، وبدأ في تطبيق الشريعة الإسلامية.
وبالرغم من صمود رجال ساموري أمام قوة الفرنسيين إلا أنه فضل مفاوضتهم عام 1886م وعقد معهم هدنة في العام التالي تخلى بموجبها عن بعض المناطق لفرنسا، لكن سرعان ما عاد الفرنسيون إلى إعلان الحرب عام 1891م، ودامت المعارك بين كر وفر حتى عام 1898م، كان يتبع أثناءها ساموري سياسة الأرض المحروقة... حيث كان إذا قام بالانسحاب أما الجيش الفرنسي يقوم بحرق جميع الأراضي التي يتركها فإذا وصلها الفرنسيون لا يجدون ما يحتاجونه فلا يستطيعون مواصلة تقدمهم انتظارًا لوصول الامدادات.
ومما يستدعي الانتباه أن أسلوب ساموري الحربي في تخريب المدن والقرى التي يهجرها قد ساعد على استمرار المقاومة فترة طويلة نجح خلالها في مقاومة الفرنسيين وتكبيدهم خسائر طويلة، وكان كلما انسحب أمام الفرنسيين، حرص على تدمير كل شيء حتى لا يستفيد منه الأعداء، لكن لم تمر الظروف في صالح ساموري توري إذ تم محاصرة قواته، ومنعته القبائل الوثنية من المرور عبر أراضيها، بل أعلن العديد من القبائل الوثنية محاربته، بينما ساءت أوضاع المسلمين وأصابهم الإنهاك من طول فترة الحرب فتعرض جيش ساموري للجوع، وأصبح ساموري غير قادر على السيطرة على جنوده الذين يتضورون جوعًا ويبحثون عن أي شيء يأكلونه.
وفي إحدى الليالي استيقظ ساموري ليجد جيشه المكون من عشرة آلاف مقاتل لم يعد سوى ألفين، بينما تفرق الباقون في الغابات، فحاصرته القوات الفرنسية من كل جانب حتى وقع في الأسر وتم سجنه في 29 سبتمبر 1898م، وترحيله إلى الجابون حيث توفي عام 1900م.
شخصية ساموري توري
كان ساموري رجلًا عبقريًا، حاضر البديهة، وتكمن عظمته في عبقريته الاستراتيجية التي كشفت عن نفسها خلال النضال والمواجهة ضد الأعداء، واستطاع أن يجمع شمل قبائل متناثرة، وعشائر متناحرة، وقوميات شتى، واستطاع أن يوحد كل هذه الجماعات تحت راية الإسلام، وكوّن أمة حديثة أخذت بأساليب التقدم والرخاء، وأقام مجتمعًا إسلاميًا، وطبق الشريعة الإسلامية، بعد أن حول كل فئات الشعب إلى هذا الدين الحنيف.
وصار هذا القائد المسلم والإمبراطورية التي أسسها حاجزًا مانعًا ضد طموحات الفرنسيين، وحاول الابتعاد عنهم، لكنهم وجدوا فيه خصمًا عنيدًا ومناضلًا جسورًا، وعبقرية إفريقية لا تلين، وقد عرضوا عليه الحماية فرفضها، وعرضوا عليه الانضمام إلى نفوذهم فأبى وقاوم، وإذا كان قد هُزم في النهاية إلا أنم ذلك لا يرجع إلى قصور في العمل أو تراجع عن المبادئ، ولكن السبب الرئيس يكمن في قلة الموارد وضعف الإمكانات.
ويكفي هذا المناضل الأفريقي أنه استطاع أن يحكم منطقة واسعة من السودان الغربي، ولم ينشر الدين الإسلامي فقط بين القبائل الأفارقة، بل غرس في نفوس الناس روح العداء ومقاومة التوسع الأجنبي، وولد في نفوس هذا الشعب روح التضحية والفداء.
يقول الجنرال الإيطالي أورست باراتير: أن ساموري أظهر تفوقًا على كل زعماء ... القارة الإفريقية، حيث الوحيد الذي أعطى الدليل على صفات الزعيم، حيث كان سياسيًا محنكًا، وقائدًا يمتلك الطاقة والقدرة على وضع الخطط الحربية التي يصعب تدميرها، وأنه إذا فقد جزءًا من الأرض فإنه لم يغادر الموقع إلا بعد أن الفرنسيين خسائر فادحة، وكان يعوض خسارته في الغرب بالاستيلاء على أجزاء مضاعفة من الشرق، وهذه استراتيجية كبرى لقائد مسلم رفض الاستسلام بسهولة، ولم يكن ساموري عبقرية عسكرية فحسب، بل كان أيضًا دبلوماسيًا بارعًا، يتضح ذلك من علاقاته بالحكام الأفارقة الآخرين وبالسلطات الفرنسية[1].
[1] محمد فاضل علي باري/ سعيد إبراهيم كربدية: المسلمون في غرب إفريقيا تاريخ وحضارة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2007م، ص203- 210، وعبد الله عبد الرازق إبراهيم: المسلمون والاستعار الأوروبي لإفريقيا، 1989م، ص121- 144، وانظر: آدو بواهن: تاريخ أفريقيا العام، اليونسكو أدفيرا، 1990م، 7/ 135- 139.
التعليقات
إرسال تعليقك