ملخص المقال
أجمعت مصادر التراجم الأندلسية على أن سليمان الكلاعي كان إمامًا متقدمًا، ومثالًا من أمثلة التفاني في رسالة العلم والحديث والاقتداء بسيرة النبي صلى الله
أجمعت مصادر التراجم الأندلسية على أن سليمان الكلاعي كان إمامًا متقدمًا، ورمزًا على شيوخ العصر في الأندلس، ومثالًا من أمثلة التفاني في رسالة العلم والحديث والائتساء بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نسب الكلاعي ومولده
هو الإمام، العلامة، الحافظ، المجود، الأديب البليغ، سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع، شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس، ومحدثها وبليغها في عصره، من أهل بلنسية، ومولده سنة 565هـ= 1170م.
نشأة الكلاعي ونبوغه في العلم
سيق سليمان الكلاعي إلى مدينة بلنسية، وهو ابن عامين اثنين ونشأ بها، وفي شبابه تجول في بلاد الأندلس وأخذ في سماع الشيوخ في شتى نواحيها حتى بلغ الإمامة في صناعة الحديث، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة والفصاحة، والتمكن من الخطابة وإنشاء الرسائل وقرض الشعر، كما كان عارفًا بالجرح والتعديل، ذاكرًا للموالد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال، وخصوصًا من تأخر زمانه أو عاصره، وكتب الكثير وكان حسن الخط لا نظير له، نهاية في الإتقان والضبط، وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل وولي الخطبة بالمسجد الجامع ببلنسية في أوقات وكان رئيسًا في الحديث والكتابة.
تصانيف الكلاعي ومؤلفاته
ترك سليمان الكلاعي تصانيف مفيدة وشهيرة في فنون شتى منها كتاب الاكتفاء بسيرة المصطفى والثلاثة الخلفاء، وكتاب ميدان السابقين وحلبة الصادقين المصدقين معرفة الصحابة والتابعين، وكتاب جهد النصيح وحظ المنيح من مساجلة المعري في خطبة الفصيح، وكتاب والصحف المنشرة في القطع المعشرة، وكتاب مفاوضة القلب العليل في معارضة ملقى السبيل، وحلية الأمالي في الموافقات العوالي.
كرم الكلاعي وفضله وشجاعته في الحرب
كان لسليمان الكلاعي سيرة في الناس جميلة، وطريقة في العدل حميدة، وكان فاضلًا حسن الهيئة والمركب والملبس والصورة، كريم النفس، يطعم فقراء الطلبة، وينشطهم، ويتحمل مؤنتهم، وهو فوق علمه وأدبه كان وافر الشجاعة والجرأة، كان يشهد معظم الغزوات، ويشترك في القتال، وفي موقعة أنيشة التي كانت في سنة 634هـ= 1237م بين المسلمين والأرجونيين كان يتقدم الصفوف، وهو يقاتل بشجاعة، ويحث المنهزمين على الثبات، ويصيح بهم " أعن الجنة تفرون " حتى قتل وهو ابن سبعين سنة إلا أشهرًا وهو كان آخر الحفاظ المحدثين والبلغاء المرسلين بالأندلس.
على هذه الصورة ختمت حياة واحد من أمجد شيوخ العصر في الأندلس، رجل جمع كل الخصائص المميزة لهذا الطراز الأول من أعلام الأندلسيين، وهي العلم الواسع، والانصراف إلى القرآن والحديث، والتفاني في خدمة العلم وأهله، والتصدي للدفاع عن مصير الجماعة الإسلامية، وسلامة الخلق، والشهامة، والاستعداد لبذل النفس في سبيل الإسلام حتى يتطابق عمل العالم مع علمه، ويكون مثالًا لما عاش له ودعا إليه ولقنه للناس[1].
[1] ابن الابار: التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، دار الفكر للطباعة، لبنان، 1415هـ= 1995م، 4/ 100- 103، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 23/ 134، والنباهي: تاريخ قضاة الأندلس، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة، 1403هـ= 1983م، ص119- 122، وحسين مؤنس: شيوخ العصر في الأندلس، دار الرشاد، القاهرة، الطبعة الثانية، 1417هـ= 1997م، ص118، 121، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 3/ 136، ومحمد عنان: دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1411هـ= 1990م، 4/ 442.
التعليقات
إرسال تعليقك