ملخص المقال
العربي بن مهيدي هو من أبطال الجزائر الذين لا تكفي الأسطر لوصفهم، فقد كان من أبرز القادة الذين فجّروا ثورة التحرير الجزائرية.
كان العربي بن مهيدي من أبرز القادة الذين فجّروا ثورة التحرير الجزائرية عام 1954م، بل بات شخصية أسطورية في تاريخ الثورة، نتيجة ما أظهره من كفاءة عالية في تنظيم القوات، وإدارة الصراع، ولكن جاءت نهايته مأساوية لتتوج سيرته الرائعة، حيث عُذب بأبشع الطرق ليبوح بأسرار الثورة لكنه عذب المحتل الفرنسي بصمته.
العربي بن مهيدي هو من أبطال الجزائر الذين لا تكفي الأسطر لوصفهم أو سرد تفاصيل حياتهم، اشتهر بقدرته التنظيمية الرائعة، وبثقافته العالية، وسعة أفقه، وتحليله السليم للأمور، إنه حكيم وعملاق، أرهب المستعمر الفرنسي وتمكن من أن يكتب بحروف من ذهب تاريخًا مشرفًا له ولوطنه الجزائر وأُمتيه العربية والإسلامية ولكل الشعوب التي ناضلت من أجل التحرر من الاستعمار، فهو من واضعي (نظرية الثورة) والتي عبر عنها بقوله: "إن ثورة غرة نوفمبر 1954م التي انطلقت بقيادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني هي التعبير عن إرادة الشعب للحرية والاستقلال"[1]، وهو القائل "ألقوا بالثورة إلى الشارع فسيحتضنها الشعب"[2].
وُلد العربي بن مهيدي في سنة 1923م بولاية أم البواقي الواقعة شرق الجزائر من أسرة فقيرة، وبدأ مشوراه الدراسي بدراسة القرآن والأحاديث النبوية في الكتّاب بمسقط رأسه، وفي سنة 1931م- 1932م بدأ في التنقل ما بين ولايات باتنة وبسكرة لاستكمال تعليمه.
في سنة 1941م انضم العربي بن مهيدي إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية، وكان لاعبًا لكرة القدم في فريق الاتحاد الرياضي الإسلامي لمدينة بسكرة، ولكن بقاء وطنه تحت نير الاستعمار الفرنسي جعله أكثر اهتمامًا بالشئون الوطنية فقرر الدخول في النشاط السياسي من بوابة حزب الشعب الجزائري منذ فجر شبابه، وإثر تجمع الأحزاب الوطنية تحت كتلة واحدة خرج العربي بن مهيدي مع أعضاء حزب الشعب وبقية الأحزاب في 8 مايو عام 1945م في مظاهرات عارمة مطالبة بالاستقلال ليتم اعتقاله، وعندما لم يحصلوا منه على شيء أخلوا سبيله بعد ثلاثة أسابيع.
وبعد عودة الحياة الدستورية شارك العربي بن مهيدي في النضال السياسي في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وفي عام 1947م شارك في إنشاء العمل المسلح السري "المنظمة الخاصة"، وعند هيكلتها كان هو ممثل المنظمة، ثم أصبح نائبًا على مستوى الشرق الجزائري، وعند اكتشاف المنظمة الخاصة في عام 1950م تم الحكم عليه غيابيًا بــ 10 سنوات.
إثر ذلك قرر العربي بن مهيدي أن يختفي عن العدو وانتقل إلى محافظة وهران في غرب الجزائر، وبعد انفراج الأزمة، وتحديدًا في سنة 1953م أخذت أفراد المنظمة الخاصة تستجمع قواها، وتفكر مرة أخرى للتحضير للثورة المسلحة، فشارك العرب بن مهيدي برفقة 5 شبان آخرين في تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل، كما شارك في شهر يونيو 1954م في تأسيس مجموعة الـ 22 التاريخية الذي ضمت كبار قادة الثورة التحريرية والتي اندلعت في نوفمبر 1954م.
وقد عيّنت قيادة الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي قائدًا لمنطقة الغرب الجزائري، ونجح في عقد مؤتمر الصومام التاريخي في سنة 1956م، والذي جمع قادة الثورة الجزائرية، واعتمد استراتيجية حربية وسياسية جديدة تهدف إلى تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية ولتلقي الدعم المادي والمعنوي من مختلف شعوب العالم.
وخلال الاجتماع، كُلف العربي بن مهيدي بالعمليات الفدائية في جيش التحرير الجزائري، ليشرع مباشرة في تنظيم خلايا فدائية في جميع أنحاء العاصمة الجزائرية، وشهدت معها العاصمة عمليات فدائية عديدة أرهبت وأربكت الاحتلال الفرنسي، كما نجح في تنظيم عصيان مدني وإضراب شامل لثمانية أيام من 28 يناير إلى 4 فبراير 1957م عبر كل مناطق الجزائر.
وبعد مسيرة حافلة بالبطولات والانتصارات، جاء اليوم الذي انتهت معه قصة بطل الجزائر، بعد أن ألقى الاستعمار الفرنسي القبض عليه في 23 فبراير 1957م، فتعرض لكل أنواع التعذيب حتى يبوح بأسرار الثورة الجزائرية، لكنه لم ينطق بحرف واحد وأصر على الصمت، بل بكل شجاعة وجرأة قال لجلاديه ردًا على التعذيب الكبير الذي تعرض له: "أمرت فكري بألا أقول لكم شيئًا"[3].
وأمام إصراره على الصمت أمرت السلطات الفرنسية من باريس تسليط جميع أنواع التعذيب التي لم تجرؤ أية قوة استعمارية على تنفيذها، فكان جزاء صمته المشرف أن كسرت أسنانه وسلخ جلده ونزعت أظافره، ووضعوا في فمه قطعة من حديد بعد أن قاموا بتسخينها جيداً في الفرن.
لكنه رغم ذلك لم ينطق بحرف واحد، وقبل أن يموت وقف في مواجهة العقيد الفرنسي، وقال له: "اسمع أيها العقيد، إننا، أنا وأنت، من السادة المهذبين لأننا نحتقر الموت، ولكنكم أنتم ستهزمون، لأنكم لا تؤمنون بأي شيء، أجل، إن الفرنسيين لم يعودوا يؤمنون بفرنسا، لقد غدوتم الماضي، فأنتم مجزؤون، ولا تعرفون ما تريدون، أما نحن فنمثل المستقبل، لأننا نؤمن بالجمهورية الجزائرية، وإذا قُدر لي أن أموت، فسيأتي بعدي الألوف ليواصلوا القتال"[4]، مما الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار يرفع له التحية ويقول له: "لو كان لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم"[5]، ويأمر بعدها بإعدامه شنقًا في 4 مارس عام 1957م، وحينها ظهر الشهيد العربي بن مهيدي مبتسمًا لحظات قبل إعدامه، وهي الابتسامة التي بقيت عنوانًا عريضًا للعزة والكرامة وللحرية التي تؤخذ ولا تُعطى.
مات محمد العربي بن مهيدي تحت التعذيب، وانضم إلى قافلة الشهداء الأبرار. وبقيت كلماته اغنية حلوة على شفاه المجاهدين، بل بات شخصية أسطورية في تاريخ الثورة الجزائرية، وتحققت آماله، وارتفعت رايات الجمهورية الجزائرية[6].
[1] بسام العسلي: سلسلة جهاد شعب الجزائر، دار النفائس، 1406هـ= 1986م، 8/ 190.
[2] طالب محمد مصطفى: من أيام حرب التحرير، 1954- 1962م، دار الغرب، 2007، ص40.
[3] حفناوي بعلي: راهن الشعر في نهايات القرن: أصوات الملحمة وأصداء التوقيعية والصوفية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ص 367.
[4] بسام العسلي: سلسلة جهاد شعب الجزائر، دار النفائس، 1406هـ= 1986م، 8/ 191- 192.
[5] مطمر محمد العيد: العقيد محمد شعباني وجوانب من الثورة التحريرية الكبرى، دار الهدى، 1999م، ص24.
[6] انظر: بسام العسلي: سلسلة جهاد شعب الجزائر، 8/ 190- 192، ومحمد علوي: قادة ولايات الثورة الجزائرية 1954- 1962م، منشورات مديرية الثقافة لولاية يسكرة، الطبعة الأولى، 2013م، ص143- 149.
التعليقات
إرسال تعليقك