التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
حفلت العصور الإسلامية المتعاقبة بنشاط دعوي في أوضاع الحرب والسلام كان له أثره البالغ في تكثير أعداد المسلمين وتوسيع رقعة دار الإسلام.
إن الخطاب الاسلامي موجه للناس كافة بشتى بقاعهم ومختلف أزمانهم وبكل أجناسهم وقومياتهم وألوانهم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، وهذا العموم في الخطاب للبشرية اقتضى أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه بدعوة الآخرين إلى الدخول في الاسلام {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وقد حفلت العصور الإسلامية المتعاقبة بنشاط دعوي في أوضاع الحرب والسلام كان له أثره البالغ في تكثير أعداد المسلمين وتوسيع رقعة دار الإسلام، وكان الباعث الرئيسي على الدعوة هو طلب مرضاة الله والحصول على مثوبته ففي الحديث النبوي يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"[1].
إن موضوع الدعوة هو الإسلام بشموله للعقيدة والشريعة والأخلاق أو بتعبير معاصر لجوانب الحياة المتنوعة فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن المحور الأساسي هو التوحيد الخالص لله تعالى وأنه الرب الخالق والمنعم الرازق وأنه خلق البشر لتحقيق العبودية له{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، ويتم اختبار طاعتهم في هذه الدنيا ويجازون على أعمالهم في اليوم الآخر، حيث يدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن: 7]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد: 21] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 39].
إن الدخول في الاسلام يبدأ بأشهد أن لا إله لا الله وأن محمداً رسول الله" وبها يعلن الإنسان اخلاصه في العبودية لله وحده، والتزامه باتباع أحكام الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا يدخل الانسان مرحلة الوعي الديني.. الوعي بالهدف النبيل من الوجود، والوعي بضرورة الارتقاء الروحي والمادي، والوعي بوسائل الارتقاء من الإحساس بمعاني الإيمان والتدبر والتفكر والذكر والشكر والعبادات المتنوعة من صلاة وصوم وحج لتوثيق الصلة بالخالق، ومن الانتصار للحق والعدل والخير والجمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن تمثل القيم الاسلامية في واقع حياته ليكون مثال "الإنسان الصالح"، ومن العطاء السخي للآخرين عن طريق "العمل الصالح" الذي يقربه إلى الله تعالى.
إن دائرة العمل الصالح واسعة، وهو يهدف إلى الارتقاء بالحياة الروحية والمادية ومساندة قيم الحق والخير والجمال في الأرض.. وهي معاني كبيرة لا يسهل تحقيقها نسبيًا، وإن تحققت في جيل فليس ثمة ما يضمن تحققها في جيل لاحق، فالصعود والهبوط يعتقبان في تاريخ البشر، وتجديد الدين وإحياء السنن وتوثيق عرى الإيمان يرتبط بالدعوة الاسلامية، ومدى وعي الدعاة لمضامين الإسلام وشموليته وقدرتهم على تمثل تعاليمه، وإقناع الآخرين بها.
إن القرآن هو أول كتاب باللغة العربية حرَّك وعي الإنسان قبل أربعة عشر قرنًا، وفتح عقله على مكانه في الكون والحياة، وعرَّف بالحقوق والواجبات التي تعمق وعيه الاجتماعي ونظرته الإنسانية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك كله بأقواله وسيرته الشخصية، ونظرًا لتمثله القرآن بعمق ووعي خاصين، وتأثيره الكبير في جيله خاصة فإن الرؤية القرآنية تحولت إلى واقع إنساني معاش، تفاعل مع الوحي الإلهي- قرآنًا وسنةً- وأثمر ارتقاءً عظيمًا في الوعي الإنساني العام عندما انتشر الإسلام في الزمان والمكان.
هدفت الدعوة الإسلامية إلى تخفيف معاناة الإنسان في الحياة، والتي يمكن أن تتضاءل بازدياد وعيه في ظل الوحي الإلهي، في حين قد يؤدي ازدياد الوعي الى زيادة المعاناة عند غياب الإيمان، فقسوة الحياة تشتد عندما تفقد المعنى، والدين هو الذي يعطيها المعنى.
وقصدت الدعوة الإسلامية إلى تحرير الإنسان من الأوهام والأساطير والخرافات والشعوذة التي يقوم بها منتفعون يزعمون أنهم وسطاء بين الله والناس، وأحيانًا اتخذ الإنسان وسطاء من الحجر والشجر والبشر يناجونهم ويسألونهم، فأعلنت الدعوة الإسلامية أنه محض الشرك وأن لا وساطة بين الله والإنسان، وفي الحديث " اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ "[2]، مما يفتح بصيرة المؤمن على عاقبة ظلم الإنسان ويرسي أساسًا للعدل السياسي والاجتماعي.
وتحمل الدعوة الاسلامية ميزانًا دقيقًا للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط بها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى تطبيق تلك التعاليم جهادًا وبذلًا منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الإسلام، فلولا الحركة الجهادية لما قضي على الشرك وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة وقيم الإسلام الاجتماعية ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين.
وحرصت الدعوة الإسلامية على بناء مجتمع العدل والقوة {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} [الحديد: 25].مما يوضح الأسس اللازمة لبناء مجتمع قوي متحضر يقوم على العدل والقوة، فالكتاب والميزان لإقامة العدل، والحديد لإيجاد القوة التي تحمي العدل وتكفل استمراره، والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء والرجال والنساء حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل دون احتكار أو استغلال أو استئثار أو ظلم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].
وتنطلق الدعوة الإسلامية من مبدأ المساواة بين البشر دون اعتبار للثروة والجاه ولا اللون أو العرق " النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ"[3]، ويقتضي ذلك تحقيق تكافؤ الفرص أمام الناس والتزام العدل المطلق بينهم، وهدم النظم الطبقية إذ لا مكان للعنجهية والصلف والكبرياء والاستعلاء على الناس "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ"[4]، وهذا يفسر تجاوب الأمم المختلفة مع الدعوة الإسلامية ودخولها في دين الله أفواجا، وربما من أجل ذلك كله قال الفيلسوف الألماني هيجل: "يعتبر المبدأ الإسلامي- أو روح التنوير في العالم الشرقي- أول مبدأ يقف في وجه البربرية".
وتعلم الدعوة الإسلامية الشورى أساسًا للنظام السياسي والاجتماعي انطلاقًا من الآية {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، والآية {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، وقد بيَّن عمر رضي الله عنه أن الحكم يخص الأمة وأن من يسلبها هذا الأمر يكون غاصبًا.
وتوازن الدعوة الإسلامية بين المطالب الروحية والدنيوية، وتنظر إلى عمران الأرض وزينة الحياة وطيباتها نظرة متفائلة، فلا تطالب البشر بالتبتل والحرمان والنأي عن استثمار الطاقات المتنوعة لمصالحهم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] فالمطلوب أن يكون العمران والاستثمار في نطاق الإحساس دون الظلم والانحراف عن الفطرة وتسخير القوى نحو الشر والدمار والطغيان.
وهي في دعوتها إلى العمران تربي الأتباع على الإتقان، والإتقان يقابل بمصطلحات العصر (التكنولوجيا)، والإحسان مرتبة عليا فوق الإسلام والإيمان، وفيها تتفجر الطاقات الإنسانية، وتنفتح على عالم الغيب بتركيز عال من العبادة والرقابة واليقين " الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"[5]، وقد أثمرت هذه الدعوة حضارة مادية رائعة في العصور الإسلامية الذهبية شملت الفكر والعلوم والزراعة والصناعة.
وكان من مقاصد الدعوة الاسلامية حفظ النوع الإنساني واستمراره في الوجود، بتشريع الزواج وتحصين الأسرة وتحريم اتلاف النفس البشرية بالقتل أو الانتحار {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32)} [المائدة: 32] معتبرة تحقيق الأمان الفردي أساسًا لتحقيق الأمن الجماعي.
وتفتح الدعوة الإسلامية أبواب التوبة أمام العالمين مهما بلغت معاصيهم دون الحاجة إلى الاعتراف أمام وسيط أو كشف مستور للآخرين {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53] وبذلك تم التأكيد على قيم إيجابية تحارب اليأس والقنوط والتردي والعبثية والإحساس بمأساوية الحياة، وتمحو الصور القاتمة المظلمة الموحية بالاكتئاب والقلق مثل الطِّيرة (التشاؤم) والخوف من المستقبل، سأل صحابي النبي صلى الله عليه وسلم: منَّا رجال يتطيرون؟ فأجابه: "ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ"[6].
وتكثر الصور المتفائلة والمعالم المضيئة والمعاني الإيجابية الملطفة للحياة والمجملة للاجتماع البشري بإشاعة السلام والمحبة بين الناس والاهتمام بحسن المنظر والمظهر والنظافة وطيب الرائحة.
وأكدت الدعوة الاسلامية على التكافل والتعاون بين الناس ابتداءً بصلة الأرحام وانتهاءً بالحث على السخاء والكرم والإيثار ومراعاة حقوق الجيران حيث ينخلع الناس عن أموالهم التي يحبونها تحت شعار "الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"[7]، يعني أنها دليل قاطع على تذوق حلاوة الإيمان.
وأعلنت الدعوة الاسلامية حماية الملكية الفردية، وحثَّت على دوام تداول الأموال بالاستثمار، ومنعت تبديدها حتى من قبل صاحبها فحجرت عليه إذا كان سفيهًا لا يدرك عواقب إتلاف الثروة، وحرمت الربا والاحتكار منعًا لانحصار المال بأيدٍ قليلة {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7].
وكانت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تحفز روح المغامرة الجهادية والعلمية والتجارية، وتدفع للبذل والتضحية لبناء الأمة وكيانها الحضاري.
وقد اهتمت الدعوة الاسلامية بالعلم فهو فريضة على كل مسلم، ووعدت بالأجر العظيم على طلبه، وقد وردت كلمة العلم في 426 موضع من القرآن الكريم، وأعلت مكانة العلماء حتى اعتبرتهم ورثة الأنبياء، وأرست قيمًا ثقافية تضمن استمرار التقدم العلمي، فالعلم حق للجميع وليس حكرًا لفئة معينة مما يؤدي للارتفاع بالمستوى الثقافي لجمهور الأمة، والعلم يجب أن يقترن بالعمل والسلوك، وهو دليل توفيق الله للإنسان " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"[8]، وفقه الدين يقتضي فهم الحياة والنظر إلى أحداثها وقضاياها وفق مفاهيم الإسلام الذي انتظم جوانب الحياة المتنوعة، فلا عجب إذا ما تفتحت بصيرة المسلم على جوانب الاجتماع والاقتصاد والحس والذوق وقيم الجمال بصورة أرحب وأعمق وأشمل كلما ازداد بصيرة في دينه.
والعلم تترتب عليه مسؤولية دينية، فالعالم يُّسأل عن موقفه العلمي يوم القيامة "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ، عَنْ عُمْرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِةِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أُنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ"، والعالم مسئول عن نشر العلم وعدم كتمانه " مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ".
والعلم بحر لا ساحل له، ولا يمكن للفرد الإحاطة به، لذلك لابد من الاستمرار في طلبه دون انقطاع، وقد أثمرت هذه القيم الثقافية حركة فكرية زاهرة حيث صار "التعلم المستمر" و "تراكم المعرفة" و "تجميع العلم" ودراسته بصورة منظمة من أبرز خصائص الحركة الفكرية في عصور الإسلام الذهبية.
وكانت الدعوة الإسلامية ترتكز على مفهوم أن العقل وحرية الفكر مناط التكليف وطالبت أتباعها بالبحث الحر عن الدليل أو البرهان، وأنكرت تقليد الآخرين، فلم يظهر في الإسلام كهنوت يدَّعي احتكار فهم الاسلام وحق تفسير نصوصه كما حدث في تأريخ الأديان الأخرى، بل بوسع كل مسلم أن يرجع إلى القرآن والسنة وأن يتضلع في علومهما ويأخذ بعد ذلك عنهما، ويناقش الآخرين في صحة الدليل وطريقة الاستدلال.
إن التأمل في المنطلقات الفكرية للدعوة الإسلامية يكشف عن مبادئ أساسية تتمثل في تحقيق العبودية لله والكرامة والحرية والعلم والعدل والمساواة والشورى للإنسان الذي يتجه إليه الخطاب الإسلامي في مطلق الزمان والمكان[9].
[1] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، (2783).
[2] البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (1425).
[3] أحمد (10791)، قال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن هشام بن سعد - وإن روى لم مسلم - حسن الحديث وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين.
[4] البيهقي (16334).
[5] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة آلم غلبت الروم (4499).
[6] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة (537).
[7] المعجم الكبير للطبراني (8930).
[8] البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (71).
[9] أكرم بن ضياء العمري: عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1430هـ- 2009م، ص329، 330.
التعليقات
إرسال تعليقك