ملخص المقال
يُعدُّ أبو الوليد الباجي من أقطاب المعرفة في زمنه، فكان مثالًا جليًّا للحركة العلمية المزدهرة، وقد أجمع أهل عصره على جلال قدره علمًا وفضلًا وخُلُقًا.
نسب أبو الوليد الباجي ومولده
هو الإمام العلامة الحافظ القاضي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، أبو الوليد الباجي الأندلسي القرطبي، أصله من مدينة بطليوس بالأندلس، وقد اختلفت أقوال المؤرخين في تاريخ مولده والأرجح أنه ولد سنة 403ﻫ= 1012م.
نشأة أبو الوليد الباجي وعلمه
ينتسب أبو الوليد الباجي إلى أسرة ذات علم وتقوى، حيث كان والده من أهل العفة والصلاح، كثير التعبد، محبًّا للعلم، كما كانت فقيهة مشهود له بالعلم والفطنة، وفي كنف هذه البيئة العلمية، أخذ أبو الوليد الباجي تعليمه في سن مبكرة جدًا، وبحرص شديد في طلب العلم تبحُّر في أنواع المعارف المختلفة ونبغ في فنون متعددة، فأخذ علوم اللغة والنحو وبرع في القرآن والحديث وعلومهما، والفقه وأصوله، وعلم الكلام، كما اهتم في دراسته بالأدب وفنونه، وقد أخذ كل هذا عن عدد كبير من علماء زمانه في الأقطار الإسلامية المختلفة حيث رحل إلى الحجاز فمكث ثلاثة أعوام، وأقام ببغداد ثلاثة أعوام، وبالموصل عامًا، وفي دمشق وحلب مدة، وعاد إلى الأندلس، فولي القضاء في بعض أنحائها.
منزلة أبي الوليد الباجي بين علماء عصره
يُعدُّ أبو الوليد الباجي من أقطاب المعرفة، وفحول العلماء، فكان مثالًا جليًّا للحركة العلمية المزدهرة في عصره، وقد أجمع أهل عصره على جلال قدره علمًا وفضلًا وخُلُقًا، ومن ذلك ما قاله الفتح بن خاقان: " بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يزحم، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم، كان أمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أتجاده وأغواره".
وفي «وفيات الأعيان» قال ابن خلكان: «... كان من علماء الأندلس وحُفَّاظها»، كما يصفه القاضي عياض بقوله: "كان أبو الوليد رحمه الله، فقيهاً نظّاراً محققاً راوية محدثاً، يفهم صيغة الحديث ورجاله، متكلماً أصولياً فصيحاً شاعراً مطبوعاً، حسن التأليف، متقن المعارف. له في هذه الأنواع تصانيف مشهورة جليلة، ولكن أبلغ ما كان فيها في الفقه وإتقانه، على طريق النظّار من البغداديين وحذّاق القرويين والقيام بالمعنى والتأويل، وكان وقوراً بهياً مهيباً جيد القريحة حسن الشارة"، كما قال ابن بسام: "نشأ أبو الوليد هذا وهمته في العلم تأخذ بأعنان السماء ومكانه من النثر والنظم يسامي مناط الجوزاء، وبدأ في الأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه، وجعل الشعر بضاعته فوصل له الأسباب بالأسباب، ونال به مأكل القحم الرغاب، حتى جن الإحسان بذكره، وغنى الزمان بغرائب شعره".
آثار أبي الوليد الباجي العلمية
لقد ترك أبو الوليد الباجي آثارًا علمية كبيرة، وثروة وافرة من الكتب والرسائل في مجالات شتَّى، وفنون متنوعة منها ما يتعلق بالفقه وأصوله، والتفسير، وعلم الرجال وتراجمهم، وعلم الجدل ومسائل الخلاف، والتوحيد والزهد والرقائق وغير ذلك، لذلك ارتأينا أن نتناول كتبه ورسائله ومسائله الفقهية، ومن كتبه السراج في علم الحجاج، وإحكام الفصول في أحكام الأصول، والتسديد إلى معرفة التوحيد، وغير ذلك من المؤلفات.
وفاة أبي الوليد الباجي
بعد أن قضى أبو الوليد الباجي حياة جهادية من أجل تحصيل العلم ونشره، انتهى به السعي والمطاف بوفاته في مدينة المَرية سنة 474هـ=1081مﻫ، وهذا ما أجمع عليه المؤرخين، غير أن هناك أقوال أخرى في تاريخ وفاته[1].
[1] انظر: القاضي عياض: ترتيب المدارك وتقريب المسالك، تحقيق: سعيد أحمد أعراب، 1981- 1983م، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى، 8/ 117- 127، وابن بسام: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق: إحسان عباس، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، 1978م، 3/ 94، وابن حلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900م، 2/ 408- 414، صلاح الدين: فوات الوفيات، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1973م، 2/ 64، 65، الذهبي: سير أعلام النبلاء، مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 18/ 536- 545، الفتح بن خاقان: قلائد العقيان، طبعة مصر، 1284هـ= 1866م، ص187، 188، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، 2002م، 3/ 125.
التعليقات
إرسال تعليقك