ملخص المقال
لعلَّ الكثير من المسلمين لم يسمع عن عديّ بن مسافر، ولكنه كان من العلماء الأفذاذ الذين عاصروا بدايات الحروب الصليبية.
عديُّ بن مسافر بن إسماعيل الهكاري، شرف الدين أبو الفضائل، من ذرية مروان بن الحكم الأموي، من شيوخ المتصوفين، تنسب إليه الطائفة العدوية، ولد في بعلبك سنة 467= 1074م.
لعلَّ الكثير من المسلمين لم يسمع عن عديّ بن مسافر، ولكنه كان من العلماء الأفذاذ الذين عاصروا بدايات الحروب الصليبية، وكان يعيش في منطقة شمال العراق عند جبال هكار بين قبائل الأكراد الهكارية[1]، وكان هذا العالم كما يقول ابن تيمية[2]: «كان رجلاً صالحًا، وله أتباع صالحون»[3]، بل يقول عبد القادر الجيلاني[4] في حقه كلمة عجيبة حيث قال: «لو كانت النبوة تُنال بالمجاهدة، لنالها الشيخ عدي بن مسافر!»[5].
وكان الشيخ عدي قد بنى له مدرسة يُعلِّم الناس فيها، وكما يقول ابن كثير[6]: «فأقبل عليه سكان تلك النواحي إقبالاً كبيرًا؛ لما رأوا من زهده وصلاحه وإخلاصه في إرشاد الناس». ويقول ابن خلكان[7]: «وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق كثير»[8]. بل يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن دعوة الشيخ عدي أدَّت إلى انتشار الأمن في تلك المنطقة، وارتدع مفسدو الأكراد وتابوا[9].
وهذا مجرَّد مثال لتقدير الشعب لقيمة العلماء، ولفقههم لأهمية الشريعة، وهذا انعكس بدوره على تفاعلهم مع القادة العسكريين والسياسيين، فمَنْ كان منهم معظِّمًا للشريعة مطبِّقًا لها، كان مطاعًا عندهم، محبوبًا إلى قلوبهم، ومَنْ كان غير ذلك كان مكروهًا مذمومًا يتحين الجميع فرصة لعزله وإقصائه، عاش عديُّ بن مسافر أواخر حياته منقطعًا للعبادة فانقطع حتى توفي في الموصل سنة 557هـ= 1162م. وانتشرت طريقته في أهل السواد والجبال، وغالى أتباعه العدوية في اعتقادهم فيه، وأحرق قبره سنة 817هـ[10].
[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ= 1997م، 9/459.
[2] ابن تيمية (661-728هـ=1263-1328م): تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمة الحراني الدمشقي، الشيخ الإمام، العالم العلامة، المفسر الفقيه المجتهد، الحافظ المحدث، شيخ الإسلام، حنبلي، ولد في حران وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، سجن بمصر مرتين من أجل فتاواه، توفي بقلعة دمشق معتقلاً، من تصانيفه: السياسة الشرعية؛ ومنهاج السنة. الصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ= 2000م، 7/11.
[3] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ= 1995م، 11/103.
[4] هو عبد القادر بن موسى الجيلاني (471 - 561 هـ= 1078 - 1166 م)، من كبار الزهاد والمتصوفين، وتنتسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، ولد في جيلان (وراء طبرستان) وانتقل إلى بغداد شابًّا، سنة 488هـ، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف، وبرع في أساليب الوعظ، وتفقه، وسمع الحديث، وقرأ الأدب، واشتهر، وكان يأكل من عمل يده، وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد سنة 528هـ، وتوفي بها.
[5] أبو المحاسن ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر، 5/344.
[6] ابن كثير (701-774هـ=1302-1373م): عماد الدين أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي، الإمام الحافظ الحجة المؤرِّخ، انتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير، وُلِدَ سنة 700هـ بقرية مجدل من أعمال دمشق، من أشهر مؤلَّفاته: تفسير القرآن العظيم، وشرح صحيح البخاري، والبداية والنهاية. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 11/123، ابن العماد: شذرات الذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ= 1986م، 6/231.
[7] ابن خلكان (608-681هـ=1211-1282م): أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر، مؤرخ موسوعي، ولي القضاء في مصر ودمشق، من أشهر مصنفاته: (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان). انظر: ابن العماد: شذرات الذهب 5/371-374، والذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 15/444، والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413هـ، 8/32.
[8] ابن خلكان: وفيات الأعيان، المحقق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900م، 3/254، والذهبي: تاريخ الإسلام 15/444.
[9] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 20/342.
[10] الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002 م، 4/ 221، وانظر: و.د. راغب السرجاني: قصة
الحروب الصليبية (عهد عماد الدين زنكي)، دار التقوى للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1442ه= 2020م، ص243، 244.
التعليقات
إرسال تعليقك