التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من هم الأراتقة والأكراد؟ وماذا تعرف عنهم؟
الأراتقة هم من نسل أُرْتُق التركماني، وهو من قبائل الأتراك، وكان من القوَّاد السياسيين البارزين لملكشاه السلطان السلجوقي العظيم، وتقلَّد كثيرًا من المناصب كان آخرها ولاية بيت المقدس حيث تُوفِّي بها سنة (484هـ= 1091م)، تاركًا ولدين من بعده هما: سُقمان وإيلغازي، وهما قد حكما بيت المقدس لفترة وجيزة حتى سقط تحت الاحتلال العبيدي (الفاطمي)، وذلك أثناء الغزو الصليبي، وتحديدًا في سنة (491هـ= 1097م)؛ مما جعلهما يرحلان إلى الشمال، حيث ذهب إيلغازي إلى بغداد ليكون في خدمة السلطان السلجوقي بَرْكيَارُوق، بينما اتجه سقمان إلى منطقة ديار بكر في شمال العراق ليُؤَسِّس هناك إمارة إسلامية تابعة للسلاجقة، وأهم مدنها مَارِدِين وحصن كيفا (في جنوب تركيا الآن).
كان لهذين الزعيمين نخوة إسلامية واضحة، وكذلك لابن أخيهما بَلْك بن بهرام، وكان لهم جميعًا أثرٌ في حروب الصليبيين.
أمَّا الأكراد فهم شعب عظيم من شعوب الإسلام، ينتمي -غالبًا- في جذوره إلى مجموعة القبائل الهندوأوروبية، التي هاجرت إلى مناطق شمال العراق وجنوب تركيا وشرق إيران قبل الميلاد بألفي سنة.
وقد دخلت هذه القبائل الكبيرة في الإسلام منذ أيامه الأولى؛ حيث إنه لم تأتِ سنة 21 من الهجرة حتى دخل غالب الأكراد في الإسلام، ومنذ الدخول الأول لهم في الإسلام فإنهم ظلُّوا على عهدهم من الحميَّة والنصرة لدين الله؛ مهما تقلَّبت الأحوال أو تغيَّرت الظروف، وكانوا في كل تاريخهم ملتزمين بالمنهج السُّنِّيِّ، وغالبهم على المذهب الشافعي، حتى عندما سيطر بنو بويه الشيعة على الخلافة العباسية في القرنين الرابع والخامس الهجريين، ظلَّ الأكراد على منهجهم السُّنِّيِّ الأصيل، وعاطفتهم الإسلامية القوية؛ لذلك لم يكن مستغربًا قط أن تأتي النصرة من بلادهم، وأن يخرج نجم الدين أيوب[1] وأسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي والملك الصالح نجم الدين وغيرهم من أصلاب هذه الأسرة الكريمة.
كان هذا الوضع في منطقة شمال العراق، وهو ما يُفَسِّر ظهور وخروج الحركات الجهادية والإصلاحية من هذه البقاع، ولا شكَّ أننا نلاحظ أن كلَّ ما ذكرناه من أسماء وقبائل كان من أصول غير عربية؛ بل إن المغيِّرين من العرب قلَّة قليلة جدًّا؛ وهذا ليس تقليلاً من شأن العرب، ولكنه ذِكْرٌ لتاريخ وواقع، وهو في الوقت نفسه تعظيم للإسلام الذي صهر كل هذه الأنواع البشرية والأجناس المتباعدة في بوتقة واحدة، فجاء السلاجقة والأراتقة والأكراد ليرفعوا راية هذا الدين ويُعِزُّوا أمره؛ متناسيين تمامًا أن نبي هذه الأُمَّة عربي، وأن الخلافة كانت في العرب! بل إن غالب المسلمين في ذلك الوقت كانوا من غير العرب، بل إن غالبهم في زماننا نحن الآن من غير العرب أيضًا؛
فالعرب لا يُمَثِّلُون في المسلمين الآن إلا نسبة 25٪ فقط، وكذلك كانوا في التاريخ بعد زمان أبي بكر الصديق، وبدءًا من زمان عمر بن الخطاب؛ حيث انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها؛ لهذا لا عجب أن نجد أن معظم المغيِّرين والمجدِّدين في تاريخ الإسلام ليسوا عربًا، وليس على سبيل الحصر أن نذكر أسماء طارق بن زياد، وألب أرسلان، ويوسف بن تاشفين، وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز[2]، ومحمد الفاتح[3]، وكلهم كما هو معلوم ليسوا من العرب، وكذلك في مجال العلوم؛ بل في مجال العلوم الشرعية، وليس أدلّ على ذلك من ذِكْر أصحاب كتب الحديث المشهورين، فأعظمهم ستة، هم أصحاب ما يُعْرَف بأمهات الحديث، وليس مستغربًا أن نجد أن خمسة من هؤلاء الستة ليسوا عربًا؛ وهم: البخاري[4] ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، ويبقى أبو داود وحده ممثِّلاً للعرب!
إن هذا دليل واضح على عظمة هذا الدين وقدرته على التأثير في عقول الناس وقلوبهم، وطبيعته التجميعية لشتات الشعوب، ويالخسارة المسلمين لو جاء عليهم زمان يُعْلُونَ شأن القومية فوق الإسلام، ويتجمَّعُون على أواصر النسب والدم لا على أواصر العقيدة والدين[5].
[1] هو نجم الدين أيوب بن شاذي، والد صلاح الدين الأيوبي، ولد بالموصل، وإليه نسبة الأيوبيين، أصله من أذربيجان، تولى أبوه قلعة تكريت فكان معه إلى أن مات فيها، خدم الملك محمد بن ملكشاه فولاه قلعة تكريت، فحكم فيها فعدل، ثم عزل عنها، ثم رحل إلى عدة مدن، فاتصل بخدمة عماد الدين زنكي، ثم كان مقدمًا عند نور الدين محمود، فاستنابه نور الدين نجم الدين أيوب على بعلبك، ولما ولي ابنه صلاح الدين وزارة مصر دعاه سنة 565 هـ ثم أقطعه الإسكندرية والبحيرة إلى أن مات من سقطة عن فرسه (586هـ= 1190م).
[2] هو محمود بن ممدود قطز بن عبد الله المعزي، ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه، لمع نجمه بعد وفاة الملك عز الدين أيبك ووصايته على نور الدين أيبك بعد أبيه، ثم أعلن نفسه سلطانًا على مصر في (24 ذي القعدة 657هـ = 12 نوفمبر 1259م)، والتقى بجيش المغول يوم الجمعة الموافق (25 رمضان 658هـ = 3 سبتمبر 1260م) عند عين جالوت، وقُتل أثناء عودته إلى مصر في (26 شوال 658هـ = 4 أكتوبر 1260م).
[3] محمد الفاتح (1432 - 1481م): هو محمد الثاني بن مراد الثاني،"محمد الفاتح" سابع سلاطين الدولة العثمانية، يُلقب إلى جانب (الفاتح) بأبي الفتوح وأبي الخيرات، قضى نهائيًّا على الإمبراطورية البيزنطية بعد فتحه لمدينة القسطنطينية. للمزيد عن محمد الفاتح انظر كتاب المؤلف: راغب السرجاني: قصة الفاتح، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ=2019م.
[4] هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، شيخ الإسلام وإمام الحفاظ، ولد في بخارى سنة (194هـ= 810م)، نشأ يتيمًا، من شيوخه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، ومن تلاميذه: الإمام مسلم، أشهر كتبه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله ﷺ وسننه وأيامه (وألفت حوله عشرات الكتب والشروح)، والأدب المفرد، والتاريخ الكبير، التاريخ الصغير، نفاه والي بخارى في سمرقند فتوفي سنة (256هـ= 869م).
[5] انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 2/104، 105. وابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ- 1988م، 11/24، 25. والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد وذيوله، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ، 2/5-36. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413هـ.، 2/212- 241، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق حسين الأسد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة، 1413هـ- 1993م، 12/391- 471، و. د. راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية (عهد عماد الدين زنكي)، دار التقوى للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1442ه= 2020م، ص245- 249.
التعليقات
إرسال تعليقك