ملخص المقال
كان أبو بكر المروزي المعروف بالقفَّال الصغير، وحيد زمانه فقهًا وحفظًا وورعًا وزهدًا، وصار يضرب به المثل.
القفال الصغير مولده ونشأته
هو الإمام، العلامة الكبير، شيخ الشافعية، أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي المعروف بالقفَّال الصغير، ولد سنة 327هـ= 938م، عمل في صناعة الأقفال منذ صغره، ولذلك قيل له القفال وكان ماهرًا في عملها، ولما بلغ من عمره أربعين سنة (وفي رواية ثلاثين) رغب في العلم واشتغل به، فكان وحيد زمانه فقهًا وحفظًا وورعًا وزهدًا، وصار يضرب به المثل[1]، ولُقِب بالقفال نسبة إلى عمل وصناعة الأقفال، وهناك قفَّالان مشهوران في التاريخ الإسلامي: القفَّال الصغير الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال، القفال الكبير المحدّث الذي ولد سنة 291هـ= 904م وتوفي سنة 365 هـ= 976م.
القفال الصغير وتغيير مساره
قال ياقوت الحموي: «وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن، حدثني بعض فقهاء مرو بفنين من قراها أن القفّال الشاشي (الكبير) صنع قفلًا ومفتاحًا وزنه دانق واحد (حوالي نصف كيلو) فأعجب الناس به جدّا وسار ذكره وبلغ خبره إلى القفّال هذا فصنع قفلًا مع مفتاحه وزنه طسّوج (تقريبًا 100 جرام) وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر (كان هذا في آخر حياة القفال الكبير) فقال يومًا لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كلّ شيء يفتقر إلى الحظ؟ عمل الشاشي قفلا وزنه دانق وطنّت به البلاد، وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال!، فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة (وفي رواية ثلاثين) وجاء إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه فلقّنه أول كتاب المزني (مختصر إسماعيل المزني المصري هو أشهر كتب الشافعية المختصرة وعليه شروح كثيرة، وهو من تلامذة الشافعي. قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي)، وهو: هذا كتاب اختصرته، فرقي إلى سطحه وكرّر عليه هذه الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟
وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته، فتلقنها منها وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه، فقال له: لا يصدّنّك هذا عن الاشتغال فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة، فجدّ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان فعاش ثمانين سنة أربعين جاهلًا وأربعين عالمًا[2].
لمحات من حياة القفال الصغير
قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: كان وحيد زمانه فقهاً وحفظاً وورعاً وزهداً، وله في مذهب الإمام الشافعي من الآثار ما ليس لغيره من أبناء عصره، وتخاريجه كلها جيدة وإلزاماته لازمة[3].
قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية: الإِمَام الزَّاهِد الْجَلِيل الْبَحْر أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا.. من أعظم محَاسِن خُرَاسَان، كان إِمَامًا كَبِيرا، وبحرا عميقا، غوَّاصا على الْمعَانِي الدقيقة، نقي القريحة، ثاقب الْفَهم، عَظِيم الْمحل، كَبِير الشَّأْن، دَقِيق النّظر، عديم النظير[4].
قَالَ الفقيه ناصر بن الحسين العُمَرِيُّ (من كبار العلماء، ومن الزهَّاد، وهو من نسل عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولذلك يُلَقَّب بالعمري، ومن تلامذته البيهقي): لم يكن في زمان أَبِي بَكْر القَفّال أفقه مِنه ولا يكون بعده مثلُه، وكنا نقول: إنّه مَلَكٌ في صورة إنسان، حدث، وأملى، وكان رأسا في الفقه، قدوة في الزهد[5].
قال أبو بَكْر السّمْعانيّ في "أماليه": وحيد زمانه فِقْهًا وحِفْظًا وَوَرَعًا وزُهدا، وله في المذهب مِن الآثار ما لَيْسَ لغيره مِن أهل عصره. وطريقته المهذَّبة في مذهب الشّافعيّ الّتي حملها عَنْهُ أصحابه أمتنُ طريقة وأكثرها تحقيقًا[6].
وحكى القاضي حسين بن محمد عَنْ القفّال أستاذه أنّه كَانَ في كثير مِن الأوقات في الدّرْس يقع عَليْهِ الُبكاء. ثمّ يرفع رأسه ويقول: ما أغفلنا عمّا يُراد بنا[7].
وفاة القفال الصغير
قال أبو المظفّر السمعاني: عاش القفال تسعين سنة ومات سنة 417ه= 1026م، ورأيت قبره بمرو وزرته، رحمه الله تعالى[8].
[1] ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 3/ 46، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 17/ 405، 406.
[2] ياقوت الحموي: معجم البلدان، دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية، 1995م، 5/ 116.
[3] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 3/ 46.
[4] السبكي: طبقات الشافعية، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: الثانية، 1413هـ، 5/ 53).
[5] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/ 406.
[6] الذهبي: سير أعلام النبلاء،3/ 406.
[7] الذهبي: سير أعلام النبلاء،3/ 406.
[8] ياقوت الحموي: معجم البلدان، 5/ 116.
التعليقات
إرسال تعليقك