د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ماذا تعرف عن مصير فلسطين في أحداث النهاية؟
فلسطين أرض عظيمة:
· يكفي أن الله تعالى وصفها بالبركة؛ فقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].
· واختارها الله لتكون مسرى النبي صلى الله عليه وسلم.
· وتكون مسرحًا لاجتماع الأنبياء جميعًا ليصلي بهم النبي صلى الله عليه وسلم.
لهذا حب فلسطين مزروع في قلب كل مسلم، وأراد الله أن يطمئن المسلمين على مستقبلها فأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بما ستكون عليه في آخر الزمان، وهي أمور في غاية الروعة.
هذه القراءة للمستقبل مهمة جدًّا في هذا التوقيت الذي تعاني فيه غزة بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام، من الظلم اليهودي، لأنه يبعث الأمل في قلوب المسلمين.
الملاحظ على مصير فلسطين في أحداث النهاية أنها تشهد أحداثًا كلها إيجابي:
أولًا: ستكون خلافة على منهاج النبوة في آخر الزمان، وهذا بعد مرحلة الحكم الجبري. هذه الخلافة السعيدة ستكون قاعدتها الرئيسة فلسطين:
· عند أبي داود عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ قال: ".. ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ قَالَ: عَلَى هَامَتِي، ثُمَّ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ[1] وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ».
· سنن أبي داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ، -أَوْ مَنْكِبِهِ- ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا»، أَوْ «كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ»، يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
ثانيًا: غالبًا ستكون فلسطين هي مستقر المهدي: لأن المسيح عليه السلام سينزل في زمنه، وسيقاتل الدجال واليهود في فلسطين، وسيكون المهدي موجودًا آنذاك، والمهدي شخصية عظيمة من آل البيت أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في حقه: وفي رواية أبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي -أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا». مركز هذا القسط والعدل سيكون فلسطين.
ثالثًا: العلامات المؤذنة بخروج الدجال كلها في فلسطين، وكلها علامات نقص بركة، وكأن البركة في هذه الأرض، فإذا نقصت خرج الدجال؛ ففي حديث تميم الداري سأل الدجال: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ[2]، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ[3]، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ[4]، قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا.
رابعًا: الأماكن المحصَّنة ضد الدجال: مدينتان وأربعة مساجد: المدينتان: مَكَّةُ، وَالمَدِينَةُ، والمساجد ورد عند أحمد، والبيهقي، وابن أبي شيبة، عن جابر: ".. وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى". فالدجال يدخل فلسطين، لكنه لا يقوى على دخول المسجد الأقصى.
خامسًا: يتحصَّن المسلمون ومعهم المهدي في المسجد الأقصى، ويحاصرهم الدجال ومن معه من اليهود، ثم يقرِّرون الخروج لقتال الدجال، وعندها ينزل المسيح عليه السلام في دمشق، ويأتي فورًا إلى فلسطين، ويدخل المسجد الأقصى ليصلي الصبح مع المسلمين، ثم يخرجون لقتال الدجال، فيهرب الدجال غربًا، فيتبعه المسيح، ويروي مسلم عن النواس بن سمعان: ".. فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ..". (أقل من 40 كم غرب القدس).
سادسًا: على أرض فلسطين تدور المعركة الأخيرة بين المسلمين واليهود، وهم اليهود المصاحبون للدجال، وهي المعركة التي ينطق فيها الحجر والشجر. روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
سابعًا: يصبح عيسى عليه السلام إمام المسلمين، ومركزه فلسطين، ثم يأتي خبر قدوم يأجوج ومأجوج، ويقصدون فلسطين: في صحيح مسلم: ".. ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"، ويتحرَّز عيسى والمؤمنون في جبل الطور كما أمرهم الله تعالى: روى مسلم عن النواس بن سمعان: ".. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ"، فهذه هلكة يأجوج ومأجوج على أرض فلسطين.
هكذا تنتهي قوى الشرِّ في العالم آنذاك على أرض فلسطين: الدجال، ومعاونوه من اليهود، ويأجوج ومأجوج.
هذا كله بالنسبة لفلسطين وحدها، أما ما كان بخصوص الشام فكثير، وفلسطين جزء من الشام، ففيها الخير المتصل، ومستقبلها عظيم، ونسأل الله أن يعجل بنصرها، وأن يهلك عدوها، وأن يثبت أهلها، إنه ولي ذلك والقادر عليه[5].
[1] الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ: الأحزان والهموم.
[2] شمال شرق فلسطين
[3] 40 كم شمال بيسان
[4] بلدة في فلسطين عند البحر الميت
[5] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك