د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ثلاثة أمور أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها بالكعبة، ماذا تعرف عنها؟
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشباب يريد لكل شيء أن يتم الآن، وعلى الوجه الأكمل، ولكن هذا غير عملي، وقد يترك الشرع أمرًا أعظم من الآخر لعموم المصلحة، أو لأن الضرر المتحقِّق من تطبيق الأمثل أكبر من الفائدة المتحقِّقة. هذا مقياس دقيق يحتاج إلى علماء كبار.
عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عام 8 ه، وصار الأمر في يده، وهو القائد مسموع الكلمة، لم يتمكَّن من تحقيق مراده في الكعبة في أمور ثلاثة:
1- بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام
2- إلصاق الباب بالأرض
3- عمل بابين شرقي وغربي
· في البخاري عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنْ قَوْمَكِ بَنَوْا الكَعْبَةَ، وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ». (يظنون أنه فعل ذَلِكَ لينفرد بالفخر، أو خشي من عظم هدمها لديهم).
· وفي البخاري كذلك عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الجَدْرِ أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ، لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي البَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ».
· وفي البخاري أيضًا عَنِ عائشة قالت: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، لَنَقَضْتُ الكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ".
يستنبط من هذا الموقف أمور:
1. قال ابن الملقن: فيه ترك شيء من الأمر بالمعروف، إِذَا خشي منه أن يكون سببًا لفتنة قوم ينكرونه، وترك المصلحة لمعارضة مفسدة أشد منها.
a. كلمة عمر بن عبد العزيز لابنه عبد الملك عندما قال له: "ما لك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق". قال له عمر: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة".
b. المسلم مأجور بشكل أكبر وأعظم عند اتباع شرع الله في أمر، مع أن ما يرغب فيه أحيانًا يكون أشقَّ وأكثر تضحية، ولكن النظرة العامة الشمولية هي التي يسعى الشرع من أجل تحقيقها، وهذه تكون عادة في الرأي الأيسر لا الأصعب، وعمومًا الأمر يحتاج إلى اجتهاد من علماء كبار.
2. التدبر في حكمة العبادات أمر مشروع، مع شرط عدم المخالفة في الاتِّباع بصرف النظر عن فهم الحكمة، أو التيقُّن منها.
a. في البخاري قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الحِجْرَ، إِلَّا أَنَّ البَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ».
b. في البخاري أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلرُّكْنِ: «أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ»، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: «فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ»، ثُمَّ قَالَ: «شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ».
c. التدبر في سرية القراءة في الظهر والعصر، وجهريتها في المغرب والعشاء والفجر، أو التدبر في صيام ست أيام تحديدًا من شوال بعد رمضان لتحقيق صيام الدهر[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك