ملخص المقال
كثير من الناس مقصر في معرفة أحكام شهر رمضان لذا تراهم يقعون في أخطاء في شهر رمضان, فما هي هذه الأخطاء؟ وما الأشياء التي تفسد الصيام ويفطر بها الصائم؟
فإن شهر رمضان المبارك موسم عبادات متنوعة من صيام وقيام وتلاوة قرآن وصدقة وإحسان وذكر ودعاء واستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار؛ فالموفَّق من حَفِظَ أوقاته في ليله ونهاره وشَغلِها فيما يسعده ويقربه إلى ربه على الوجه المشروع بلا زيادة ولا نقصان. ومن المعلوم لدى كل مسلم أنه يشترط لقبول العمل الإخلاص لله المعبود، والمتابعة للرسول r.
لذا يتعين على المسلم أن يتعلم أحكام الصيام على من يجب, وشروط وجوبه، وشروط صحته ومن يُباح له الفطر في رمضان ومن لا يُباح له، وما هي آداب الصائم وما الذي يُستَحب له، وما هي الأشياء التي تفسد الصيام ويفطر بها الصائم، وما هي أحكام القيام!!
وكثير من الناس مقصر في معرفة هذه الأحكام؛ لذا تراهم يقعون في أخطاء كثيرة منها:
1- عدم معرفة أحكام الصيام وعدم السؤال عنها، وقد قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. وقال عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"[1].
2- استقبال هذا الشهر الكريم باللهو واللعب بدلاً من ذكر الله وشكره أن بلغهم هذا الشهر العظيم، وبدلاً من أن يستقبلوه بالتوبة الصادقة والإنابة إلى الله ومحاسبة النفس في كل صغيره وكبيرة قبل أن تحاسب وتجزى على ما عملت من خير وشر.
3- يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلُّوا وصاموا، فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي. فهؤلاء بئس القوم؛ لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان. ألم يعلموا أن رب الشهور واحد، وأن المعاصي حرام في كل وقت، وأن الله مطّلع عليهم في كل زمان ومكان؟! فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل؛ حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم.
4- اعتقاد البعض من الناس أن شهر رمضان فرصة للنوم والكسل في النهار والسهر في الليل، وفي الغالب يكون هذا السهر على ما يغضب الله عز وجل من اللهو واللعب والغفلة والقيل والقال والغيبة والنميمة، وهذا فيه خطر عظيم وخسارة جسيمة عليهم. وهذه الأيام المعدودات شاهدة للطائعين بطاعاتهم، وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.
5- يُلاحظ أن بعض الناس يستاء من دخول شهر رمضان ويفرح بخروجه؛ لأنهم يرون فيه حرمانًا لهم من ممارسة شهواتهم فيصومون مجاراة للناس وتقليدًا وتبعية لهم، ويفضّلون عليه غيره من الشهور، مع أنه شهر بركة ومغفرة ورحمة وعتق من النار للمسلم الذي يؤدي الواجبات ويترك المحرمات، ويمتثل الأوامر ويترك النواهي.
6- أن بعض الناس يسهرون في ليالي رمضان غالبًا فيما لا تُحمد عقباه من الملاهي والملاعب والتجول في الشوارع والجلوس على الأرصفة، ثم يتسحرون بعد نصف الليل وينامون عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة، وفي ذلك عدة مخالفات:
أ- السهر فيما لا يجدي، وقد كان النبي r يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها إلا في خير, وفي الحديث "لا سمر إلا لمصل أو مسافر"[2].
ب- ضياع أوقاتهم الثمينة في رمضان بدون أن يستفيدوا منها شيئًا، وسوف يتحرز الإنسان على كل وقت يمر به لا يذكر الله فيه.
جـ- تقديم السحور قبل وقته المشروع آخر الليل قبيل طلوع الفجر.
د- والمصيبة العظمى النوم عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة التي تعدل قيام الليل أو نصفه، كما في الحديث عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله r قال: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"[3]. وبذلك يتّصفون بصفات المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويؤخرونها عن أوقاتها ويتخلفون عن جماعتها، ويحرمون أنفسهم الفضل العظيم والثواب الجسيم المرتب عليها.
7- التحرز من المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع وعدم التحرز من المفطرات المعنوية كالغيبة والنميمة والكذب واللعن والسباب وإطلاق النظر إلى النساء في الشوارع والمحلات التجارية, فيجب على كل مسلم أن يهتم بصيامه، وأن يبتعد عن هذه المحرمات والمفطرات؛ فرُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب. قال النبي r: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"[4].
8- ترك صلاة التراويح التي وُعِدَ من قامها إيمانًا واحتسابًا بمغفرة ما مضى من ذنوبه، وفي تركها استهانة بهذا الثواب العظيم والأجر الجسيم؛ فالكثير من المسلمين لا يؤديها، وربما صلى قليلاً منها ثم انصرف، وحجته في ذلك أنها سُنَّة.
ونقول: نعم، هي سنة مؤكدة صلاها رسول الله r وخلفاؤه الراشدون والتابعون لهم بإحسان، وهي تقرُّب العبد إلى ربه، ومن أسباب مغفرة الله لعبده ومحبته له، وتركها يعتبر من الحرمان العظيم، نعوذ بالله من ذلك! وربما وافق المصلي ليلة القدر ففاز بعظيم المغفرة والأجر. والسنن شرعت لجبر نقص الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه، ومن أسباب تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف منها حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر؛ ليحصل له أجر قيام الليل كله؛ لقوله r: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"[5].
9- يلاحظ أن بعض الناس قد يصوم ولا يصلي أو يصلي في رمضان فقط. فمثل هذا لا يفيده صوم ولا صدقة؛ لأن الصلاة عماد الدين الإسلامي الذي يقوم عليه.
10- اللجوء إلى السفر إلى الخارج في رمضان بدون حاجة وضرورة، بل من أجل التحيُّل على الفطر؛ بحجة أنه مسافر. ومثل هذا السفر لا يجوز ولا يحل له أن يفطر فيه، والله لا تخفى عليه حيل المحتالين، وغالب من يفعل ذلك متعاطي المسكرات والمخدرات، عافانا الله والمسلمين منها.
11- الفطر على بعض المحرمات لوصفها كالمسكرات والمخدرات ومنها شرب الدخان والشيشة "النارجيلة" أو لكسبها كالمال المكتسب من حرام كالرشوة وشهادة الزور والكذب والأيمان الكاذبة والمعاملات الربوية، والذي يأكل الحرام أو يشربه لا يقبل منه عمل ولا يستجاب له دعاء، إن تصدق منه لم تقبل صدقته، وإن حج منه لم يقبل حجه.
12- يلاحظ على بعض الأئمة في صلاة التراويح أنهم يسرعون فيها سرعة تُخِلّ بالمقصود من الصلاة، يسرعون في التلاوة للقرآن الكريم والمطلوب فيها الترتيل ولا يطمئنون في ركوعها ولا سجودها، ولا يطمئنون في القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين. وهذا أمر لا يجوز ولا تتم به الصلاة. والواجب الطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وفي القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين. وقد قال رسول الله r للذي لم يطمئن في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"[6]. وأسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته فلا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها, والصلاة مكيال فمن وفّى وفي له، ومن طفف فويل للمطففين.
13- تطويل دعاء القنوت والإتيان فيه بأدعية غير مأثورة؛ مما يسبب السآمة والملل لدى المأمومين، والوارد عن النبي r في دعاء قنوت الوتر كلمات يسيرة وهي عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: "علمني رسول الله r كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"[7].
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله r كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"[8]. والناس يقولون هذا الدعاء في أثناء قنوت الوتر ثم يأتون بأدعية طويلة ومملة. وقد كان النبي r يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم وصححه.
فينبغي الاقتصار في دعاء القنوت على الأدعية المأثورة الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي موجودة في كتب الأذكار؛ اقتداء بالنبي r ولئلاّ يشق على المأمومين.
14- السنة أن يقال بعد السلام من الوتر: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، للحديث الذي رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. والناس لا يقولونها، وعلى أئمة المساجد تذكير الناس بها.
15- يلاحظ على كثير من المأمومين في صلاة التراويح وغيرها من الصلوات مسابقة الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود والخفض والرفع خداعًا من الشيطان واستخفافًا منهم بالصلاة. وحالات المأموم مع إمامه في صلاة الجماعة أربع حالات واحدة منها مشروعة، وثلاث ممنوعة وهي المسابقة والمخالفة والموافقة.
والمشروع في حق المأموم هو المتابعة بأن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه مباشرة فلا يسبقه بها ولا يوافقه ولا يتخلف عنه، والمسابقة مبطلة للصلاة؛ لقوله r: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار"[9]. وذلك لإساءته في صلاته؛ لأنه لا صلاة له. ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخف عليه العقاب أن يحول الله رأسه رأس حمار.
16- يلاحظ على بعض المأمومين أنهم يحملون المصاحف في قيام رمضان ويتابعون بها قراءة الإمام، وهذا العمل غير مشروع ولا مأثور عن السلف، ولا ينبغي إلا لمن يردّ على الإمام إذا غلط والمأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة الإمام؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
قال الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وقد نبه على هذه المسألة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في التنبيهات على المخالفات في الصلاة، وقال: إن هذا العمل يشغل المصلي عن الخشوع والتدبر ويعتبر عبثًا.
17- أن بعض أئمة المساجد يرفع صوته بدعاء القنوت أكثر من اللازم، ولا ينبغي رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع المأموم، وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]. ولما رفع الصحابة -رضوان الله عليهم- أصواتهم بالتكبير، نهاهم النبي r عن ذلك وقال: "أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا"[10].
18- يلاحظ على كثير من الأئمة في الصلوات التي يشرع تطويل القراءة فيها كقيام رمضان وصلاة الكسوف، أنهم يخففون الركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين. والمشروع أن تكون الصلاة متناسبة اقتداء بالنبي r؛ فقد كان مقدار ركوعه وسجوده قريبًا من قيامه، وكان إذا رفع رأسه من الركوع مكث قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود مكث جالسًا حتى يقول القائل: قد نسي.
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "رمقت الصلاة مع النبي r فوجدت قيامه فركعته فقيامه بعد الركوع فسجدته فجلوسه بين السجدتين قريبًا من السواء". وفي رواية: "ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء". والمراد أنه إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وما بينهما، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وما بينهما.
وينصح أئمة المساجد أن يقرءوا صفة صلاة رسول الله r في زاد المعاد وفي كتاب الصلاة لابن القيم رحمه الله، فقد أجاد في وصفها وأفاد رحمه الله. وغفر لنا وله ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
روابط ذات صلة:
- أخطاء في السحور
- أخطاء في الصوم
- من أخطاء النساء في رمضان
- أخطاء يقع فيها بعض الصائمين
- سلوكيات مرفوضة في شهر رمضان
- الصوم الصحيح للشيخ عبد الله بن جبرين
- ولكنه صيام قلب للشيخ سلطان العمري
- رمضان الأخير بقلم الدكتور راغب السرجاني
التعليقات
إرسال تعليقك