ملخص المقال
الإمام جمال الدين المزي محدث الديار الشامية في القرن الثامن الهجري، واحتل مكانة عظيمة بين علماء عصره في الحديث وعلومه.
جمال الدين المزي.. مولده ونشأته
هو الإمام العالم الحافظ يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المِـزَّي، محدث الديار الشامية في عصره، وُلد بحلب سنة 654هـ= 1256م، وهو من عائلة عربية الأصل ترجع إلى قبيلة كلب القضاعية التي استوطنت البلاد الشامية منذ فترة مبكرة، وقد انتقل المِـزَّي منذ صغره إلى دمشق فسكن بضواحيها بقرية المِزَّة ونشأ بها.
جمال الدين المزي.. ورحلته في طلب الحديث
في سن مبكرة حفظ المِـزَّي القرآن، وتعلم قليل من الفقه، وحينما بلغ الحادية والعشرين من عمره أقبل على طلب الحديث وعني بتعلمه أتم عناية، فسمع من علماء ومشايخ عصره أمهات الكتب الكبار مثل: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، والمعجم الكبير للطبراني، وتاريخ مدينة السلام بغداد للخطيب البغدادي، والسيرة النبوية لابن هشام، وموطأ الإمام مالك، والسنن الكبير، ودلائل النبوة كلاهما للبيهقي، وأشياء غير ذلك يطول ذكرها.
وقد تجول المِـزَّي في المدن الشامية من أجل سماع الحديث، فسمع بالقدس الشريف، وحمص، وحماة، وبعلبك، وبالحرمين الشريفين، ورحل إلى البلاد المصرية، فسمع بالقاهرة، والإسكندرية، وبلبيس، وكانت رحلته إليها في سنة 683هـ، وكان بالإسكندرية في سنة 684هـ.
وقد عني المِـزَّي أيضًا بدراسة العربية، فأتقنها لغة وتصريفًا، حتى فاق أقرانه في ذلك العصر، فضلًا على أنه تفرد بالرواية عن كثير من مشايخه، وحدث سنين كثيرة، فكانت له مكانة علمية رفيعة دللت عليها مدح وثناء ثقات العلماء عليه.
وفي رحلته في طلب العلم اتصل المِـزَّي اتصالًا وثيقًا بثلاثة من شيوخ عصره، وترافق معهم، وهم: شيخ الإسلام تقي الدين المعروف ب ابن تيمية، والمؤرخ المحدث علم الدين البرزالي، ومؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي، فكان المِـزَّي أكبرهم سنًّا، وقرأ الثلاثة على المِـزَّي واعترفوا بأستاذيته، وافتخروا بها، يقول الذهبي عن المِـزَّي: ترافق هو وابن تيمية كثيرًا في سماع الحديث، وفي النظر في العلم.
وهكذا أعجب المِـزَّي بابن تيمية الإعجاب كله، وترافق معه طوال حياته، بل أخلص المِـزَّي الإخلاص كله لرفيقه ابن تيمية وآرائه التجديدية، وأصبح مثله شافعي المذهب، سلفي العقيدة، وظل الشيخ بعد وفاة ابن تيمية مؤمنًا بهذه العقيدة، ولم يفتر عن دوام الإيمان بها.
جمال الدين المزي.. ومنزلته العلمية
احتل المِـزَّي مكانة عظيمة بين علماء القرن الثامن الهجري في الحديث وعلومه، وما يتصل بهما، وقامت شهرته على أعظم كتابين ألفهما في فنهما هما: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، ونتيجة لما بلغه المِـزَّي من منزلة مرموقة بين علماء عصره، وما عرف عنه من ديانة متينة وحفظ وإتقان وبراعة في الحديث وعلومه، فقد ولي دار الحديث، والتي كانت تعد من أكبر دور الحديث بدمشق، وقد استمر المِـزَّي متوليًا لهذه الدار طوال حياته، حيث كانت ولايته لها قرابة أربعة وعشرين عامًا، ومنها نشر علمه الغزير، وفيها حدّث، وسمعه جلة من شيوخ العصر، وكان المِـزَّي إضافة إلى ذلك شيخًا لدار الحديث الحمصية ودار الحديث النورية.
أصبح الإمام المِـزَّي حافظ العصر، وأتاحت له معرفته الفذة في علم الرجال منزلة مميزة بين أساتذة عصره، فقصده طلبة العلم من كل حدب وصوب، وقد متعه الله بالعمر الطويل، وصحة الحواس، وقوة الجسم، فحدث زيادة على خمسين سنة، قال عنه الذهبي: وغالب المحدثين من دمشق وغيرها قد تلمذوا له، واستفادوا منه، وسألوه عن المعضلات، فاعترفوا بفضيلته، وعلو ذكره، ويكفيه فخرًا وفضلًا أن عظماء العلماء من أساتيذه ورفاقه وتلامذته قد أخذوا عنه، فسمع منه من العلماء الأعلام: شيخ الإسلام ابن تيمية، وفتح الدين ابن سيد الناس، وشمس الدين الذهبي والإمام العلامة تقي الدين السبكي وغيرهم. وبه تخرج أعاظم الرواة والمحدثين والمؤرخين من أعلامهم مما يطول ذكرهم.
وفاة جمال الدين المزي.
توفي الإمام المِـزَّي في دمشق سنة 742هـ= 1341م متأثرًا بمرض الطاعون، وغسل وكفن وصلي عليه بالجامع الأموي، وحضر جنازته القضاة والأعيان وخلائق لا يحصون، ودفن بجوار قبر الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكانت زوجته عائشة قد توفيت قبله بتسعة أشهر تقريبًا، وكانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن الكريم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح، وانتفعن بها نساء كثيرات وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وكان المِـزَّي محسنًا إليها مطيعًا، وقد عني المِـزَّي بأهل بيته، فكان يحضرهم مجالس السماع لا يستثني من ذلك حتى الجواري[1].
[1] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400- 1980م، 1/ 9- 37.
التعليقات
إرسال تعليقك